ثمّ أقبل على الفريق الثاني ، فقال لهم : أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد الله فسجدتم لها وصلّيتم ، ووضعتم الوجوه الكريمة على التراب ، فما الذي أبقيتم لربّ العالمين؟ أما علمتم أن من حقّ من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوى به عبده؟ أرأيتم ملكا عظيما إذا سويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع للكبير ما يكون زيادة في تعظيم الصغير؟ فقالوا : نعم. فقال : أفلا تعلمون أنكم من حيث تعظّمون الله بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على ربّ العالمين؟ فسكت القوم بعد أن قالوا : سننظر في أمورنا.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم للفريق الثالث : لقد ضربتم لنا مثلا وشبّهتمونا بأنفسكم ولسنا سواء ، وذلك أنا عباد الله مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا ، وننزجر عمّا زجرنا ، ونعبده من حيث يريد منا ، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعدّ إلى غيره ممّا لم يأمرنا ، ولم يأذن لنا ، لأنّا لا ندري لعلّه أراد منّا الأوّل وهو يكره الثاني ، وقد نهانا أن نتقدّم بين يديه. فلمّا أمرنا أن نعبده بالتوجّه إلى الكعبة أطعنا ، ثمّ أمرنا بعبادته بالتوجّه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا ، فلم نخرج في شيء من ذلك من اتّباع أمره ، والله عزوجل حيث أمر بالسّجود لآدم لم يأمر بالسّجود لصورته التي هي غيره ، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه ، لأنّكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون ، إذ لم يأمركم به.
ثمّ قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أرأيتم لو أمركم رجل بدخول داره يوما بعينه ، ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره؟ ولكم أن تدخلوا دارا له أخرى مثلها بغير أمره؟ أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه ، أو عبدا من عبيده ، أو دابّة من دوابّه ، ألكم أن تأخذوا ذلك؟ قالوا : نعم. قال : فإن لم تجدوه أخذتم آخر مثله؟ قالوا : لا ، لأنّه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن لنا في الأوّل.