قول المفسرين. وقال الجبائي : نور الله. الدلالة والبرهان ، لأنه يهتدى بها كما يهتدى بالأنوار. وواحد الأفواه فم في الاستعمال ، وأصله فوه فحذفت الهاء وأبدلت من الواو ميم ، لأنه حرف صحيح من مخرج الواو مشاكل لها. ولما سمى الله تعالى الحجج والبراهين نورا سمى معارضتهم له إطفاء. وأضاف ذلك إلى الأفواه ، لأن الإطفاء يكون بالأفواه ، وهو النفخ ، وهذا من عجيب البيان مع ما فيه من تصغير شأنهم وتضعيف كيدهم ، لأن النفخ يؤثر في الأنوار الضعيفة دون الأقباس العظيمة. وقوله (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) الإباء الامتناع مما طلب من المعنى. قال الشاعر :
وإن أرادوا ظلمنا أبينا
أي منعناهم من الظلم ، وليس الإباء من الكراهة في شيء على ما يقول المجبرة لأنهم يقولون : فلان يأبى الضيم ، فيمدحونه ، ولا مدحة في كراهة الضيم لتساوي الضعيف والقوي في ذلك. وإنما المدح في المنع خاصة ، ولذلك مدح عورة بن الورد بأنه أبى للضيم بمعنى أنه ممتنع منه ، وقوله «وإن أرادوا ظلمنا أبينا» يدل على ذلك لأنه لا مدحة في أن يكرهوا ظلم من يظلمهم. وإنما المدحة في منع من أراد ظلمهم. والمنع في الآية يمنع الله إلا إتمام نوره. وإن كره الكافرون ، ولا يجوز على قياس (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) أن تقول : ضربت إلا أخاك ، لأن في الإباء معنى النفي ، فكأنه قال : لا يمكنهم الله إلا أن يتم نوره. وإذا لم يكن في اللفظ مستثنى منه لم تدخل «إلا» في الإيجاب ، وتدخل في النفي على تقدير الحذف قال الشاعر :
وهل لي أم غيرها إن تركتها |
|
أبى الله إلا أن أكون لها ابنا (١) |
__________________
(١) تفسير القرطبي : ج ٨ ، ص ١٢١ ، ومعاني القرآن : ص ٤٣٣١.