الخروج إلى الشيء لأمر هيج عليه وضده الهدوء تقول : نفر إلى الثغر ينفر نفرا ونفيرا ولا يقال النفور إلا في المكروه كنفور الدابة عما تخاف ، وقوله (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) أصله تثاقلتم وأدغمت التاء في الثاء لمناسبتها لها وأدخلت ألف الوصل ليتمكن الابتداء بها ومثله أدركوا قال الشاعر :
تولى الضجيج إذا ما استافها خصرا |
|
عذب المذاق إذا ما أتابع القبل (١) |
والتثاقل تعاطي إظهار ثقل النفس ومثله التباطىء وضده التسرع. ومعنى (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) قيل فيه قولان :
أحدهما : إلى المقام بأرضكم ووطنكم.
الثاني : لما أخرج من الأرض من الثمر والزرع. قال الحسن ومجاهد : دعوا إلى الخروج إلى غزوة تبوك بعد فتح مكة وغزوة الطائف ، وكان أيام إدراك الثمرة ومحبة القعود في الظل فعاتبهم الله على ذلك ، والآية مخصوصة بقوم من المؤمنين دون جميعهم ، لأن من المعلوم أن جميعهم لم يكن بهذه الصفة من التثاقل في الجهاد. فقال الله تعالى لهم على جهة التوبيخ ، والتعنيف أرضيتم بالحياة الدنيا على الآخرة ، آثرتم الحياة الدنيا الفانية على الحياة الآخرة الباقية. وهو استفهام ، والمراد به الإنكار. والرضا هو الإرادة غير أنها لا توصف بذلك إلا إذا تعلقت بما مضى من الفعل والإرادة توصف بما لم يوجد بعد قال تعالى مخبرا (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) أي ليس الانتفاع بما يظهر للحواس إلا قليل ومنه قولهم : تمتع بالرياض والمناظر الحسان. ويقال للأشياء التي لها أثمان : متاع تشبيها بالانتفاع به (٢).
__________________
(١) معاني القرآن : ج ١ ، ص ٤٣٨ والطبري : ج ١٤ ، ص ٢٥٢ ، (استاف) الشيء قرب منه وشمه ، و (القبل) ـ بضم القاف ـ جمع قبلة.
(٢) التبيان : ج ٥ ، ص ٢١٩ ، الشيخ الطوسيّ.