بإذن الله تعالى سالما سويّا ، عجيبا شأنك ، بديعا أمرك. فتبادرت الدّابّة فإذا الله عزوجل قد متّن الأرض وصلّبها ولأم حفرها ، وجعلها كسائر الأرض. فلمّا جاوزها علي عليهالسلام لوى الفرس عنقه ، ووضع جحفلته على أذنه ، ثم قال : ما أكرمك على ربّ العالمين ، جوّزك على هذا المكان الخاوي!! فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : جازاك الله بهذه السّلامة عن تلك النّصيحة التي نصحتني. ثمّ قلب وجه الدّابّة إلى ما يلي كفلها (١) والقوم معه ، بعضهم كان أمامه ، وبعضهم خلفه ، وقال : اكشفوا عن هذا المكان. فكشفوا عنه فإذا هو خاو ، ولا يسير عليه أحد إلا وقع في الحفيرة ، فأظهر القوم الفزع والتعجّب مما رأوا ، فقال عليّ عليهالسلام للقوم : أتدرون من عمل هذا؟ قالوا : لا ندري. قال عليّ عليهالسلام : لكنّ فرسي هذا يدري. ثم قال : يا أيها الفرس ، كيف هذا ومن دبّره؟ فقال الفرس : يا أمير المؤمنين ، إذا كان الله عزوجل يبرم ما يروم جهّال الخلق نقضه ، أو كان ينقض ما يروم جهّال الخلق إبرامه ، فالله هو الغالب ، والخلق هم المغلوبون ، فعل هذا ـ يا أمير المؤمنين ـ فلان وفلان ، إلى أن ذكر العشرة بمواطأة من أربعة وعشرين ، هم مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في طريقه.
ثم دبّروا هم على أن يقتلوا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على العقبة ، والله عزوجل من وراء حياطة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووليّ الله لا يغلبه الكافرون ، فأشار بعض أصحاب أمير المؤمنين عليهالسلام : إنّ رسول الله يعني جبرئيل صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إلى محمّد رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم أسرع ، وكتابه إليه أسبق ، فلا يهمنّكم هذا.
فلما قرب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من العقبة التي بإزائها فضائح المنافقين والكافرين نزل دون العقبة ، ثم جمعهم ، فقال لهم : هذا جبرئيل الروح الأمين ، يخبرني أنّ عليّا دبّر عليه كذا وكذا ، فدفع الله عزوجل عنه بألطافه
__________________
(١) كفل الدابّة : العجز. «القاموس المحيط ـ كفل ـ ج ٤ ، ص ٤٦».