سفح الجبل عن يمين وشمال ، وهم يقولون : ألا ترون حين (١) محمد كيف أغراه بأن يمنع الناس من صعود العقبة حتى يقطنها هو ، لنخلو به ها هنا ، فمنضي فيه تدبيرنا وأصحابه عنه بمعزل؟ وكلّ ذلك يوصله الله من قريب أو بعيد إلى أذن حذيفة ، ويعيه.
فلمّا تمكّن القوم على الجبل حيث أرادوا كلّمت الصّخرة حذيفة ، وقالت : انطلق الآن إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبره بما رأيت وما سمعت. قال حذيفة : كيف أخرج عنك ، وإن رآني القوم قتلوني مخافة على أنفسهم من نميمتي عليهم؟ قالت الصّخرة : إنّ الذي أمكنك من جوفي وأوصل إليك الرّوح من الثّقبة التي أحدثها فيّ هو الذي يوصلك إلى نبيّ الله وينقذك من أعداء الله. فنهض حذيفة ليخرج ، فانفرجت الصّخرة ، فحوّله الله طائرا فطار في الهواء محلّقا حتى انقضّ بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ أعيد إلى صورته ، فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بما رأى وسمع.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أو عرفتهم بوجوههم؟
فقال : يا رسول الله ، كانوا متلثّمين وكنت أعرف أكثرهم بجمالهم ، فلمّا فتّشوا الموضع فلم يجدوا أحدا أحدروا اللّثام فرأيت وجوههم وعرفتهم بأعيانهم وأسمائهم ، فلان وفلان حتى عدّ أربعة وعشرين.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا حذيفة ، إذا كان الله تعالى يثبّت محمّدا ، لم يقدر هؤلاء ولا الخلق أجمعون أن يزيلوه ، إن الله تعالى بالغ في محمّد أمره ولو كره الكافرون. ثمّ قال : يا حذيفة ، فانهض بنا أنت وسلمان وعمّار ، وتوكّلوا على الله ، فإذا جزنا الثّنيّة الصعبة فأذّنوا للنّاس أن يتبعونا.
فصعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على ناقته وحذيفة وسلمان أحدهما آخذ بخطام
__________________
(١) حينه : أجله. «مجمع البحرين ـ حين ـ ج ٦ ، ص ٢٤٠».