مِنْكُمْ قُوَّةً) في أبدانهم (وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) فلم ينفعهم ذلك شيئا ، وحل بهم عذاب الله تعالى (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) أي : بنصيبهم وحظهم من الدنيا ، بأن صرفوها في شهواتهم المحرمة عليهم ، وفيما نهاهم الله عنه ، ثم اهلكوا (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) أي : فاستمتعتم أنتم أيضا بحظكم في الدنيا ، كما استمتعوا هم (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا) أي وخضتم في الكفر والاستهزاء بالمؤمنين ، كما خاض الأولون. (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) التي تقع طاعة من المؤمنين مثل الإنفاق في وجوه الخير ، وصلة الرحم ، وغيرها (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) إذ لم يستحقوا عليها ثوابا في الآخرة ، ولا تعظيما وتبجيلا في الدنيا ، لكفرهم ، وشركهم (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) خسروا أنفسهم وأهلكوها بفعل المعاصي المؤدية إلى الهلاك. ووردت الرواية ، عن بن عباس أنه قال في هذه الآية : ما أشبه الليلة بالبارحة كالذين من قبلكم ، هؤلاء بنو إسرائيل شبهنا بهم ، لا أعلم إلا أنه قال : والذي نفسي بيده! لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه. وروي مثل ذلك عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم ، ذراعا بذراع ، وشبرا بشبر ، وباعا بباع ، حتى لو أن أحدا من أولئك دحل جحر ضب ، لدخلتموه! قالوا : يا رسول الله! كما صنعت فارس ، والروم ، وأهل الكتاب؟ قال : فهل الناس إلا هم؟ وقال عبد الله بن مسعود : أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل ، سمتا وهديا ، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة ، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا. وقال حذيفة : المنافقون الذين فيكم اليوم ، شر من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قلنا : وكيف؟ قال : أولئك كانوا يخفون نفاقهمو وهؤلاء أعلنوه. أورد ذلك جميعا الثعلبي في تفسيره (١).
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٨٥ ـ ٨٦.