تبارك وتعالى أنّه لم يأمر بالقتال إلّا أصحاب هذه الشروط ، فقال عزوجل : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا) (١) وذلك أنّ جميع ما بين السّماء والأرض لله عزوجل ولرسوله ولأتباعهما من المؤمنين من أهل هذه الصفة ، فما كان من الدنيا في أيدي المشركين والكفّار والظّلمة والفجّار من أهل الخلاف لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين ، والمولّي عن طاعتهما ، مما كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصّفات ، وغلبوهم عليه ممّا أفاء الله على رسوله ، فهو حقّهم أفاء الله عليهم وردّه إليهم.
وإنّما معنى الفيء كل ما صار إلى المشركين ثم رجع مما كان قد غلب عليه (٢) أو فيه ، فما رجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فاء ، مثل قول الله عزوجل : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣) أي رجعوا ، ثمّ قال : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٤) وقال : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) أي ترجع (فَإِنْ فاءَتْ) أي رجعت (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٥) يعني بقوله : (تَفِيءَ) أي ترجع ، فذلك الدّليل على أنّ الفيء كلّ راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه ، يقال للشّمس إذا زالت : قد فاءت ، حين يفيء الفيء عند رجوع الشمس إلى زوالها ، وكذلك ما أفاء الله على المؤمنين من الكفّار ، فإنّما هي حقوق المؤمنين رجعت إليهم بعد ظلم الكفّار إياهم ، فذلك قوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) ما كان المؤمنون أحقّ به منهم.
__________________
(١) الحج : ٣٩ ـ ٤٠.
(٢) في «ط» : مما كان عليه.
(٣) البقرة : ٢٢٦.
(٤) البقرة : ٢٢٧.
(٥) الحجرات : ٩.