قال : قلت له : صفه لي ـ جعلت فداك ـ حتى أفهمه. قال : «الإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل ، فمنه التّامّ المنتهي تمامه ، ومنه الناقص البيّن نقصانه ، ومنه الراجح الزائد رجحانه».
قلت : إنّ الإيمان ليتمّ وينقص ويزيد؟ قال : «نعم».
قلت : كيف ذاك؟ قال : «لأن الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم ، وقسّمه عليها ، وفرّقه فيها ، فليس من جوارحه جارحة إلّا وقد وكّلت من الإيمان بغير ما وكّلت به أختها ، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم ، وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلّا عن رأيه وأمره ، ومنها عيناه اللّتان يبصر بهما ، وأذناه اللّتان يسمع بهما ، ويداه اللتان يبطش بهما ، ورجلاه اللّتان يمشي بهما ، وفرجه الذي الباه من قبله ، ولسانه الذي ينطق به ، ورأسه الذي فيه وجهه.
فليس من هذه جارحة إلّا وقد وكّلت من الإيمان بغير ما وكّلت به أختها ، بفرض من الله تبارك وتعالى اسمه ، ينطق به الكتاب لها ، ويشهد به عليها ، ففرض على القلب غير ما فرض على السّمع ، وفرض على السّمع غير ما فرض على العينين ، وفرض على العينين غير ما فرض على اللسان ، وفرض على اللسان غير ما فرض على اليدين ، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرّجلين ، وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج ، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه.
فأمّا ما فرض على القلب من الإيمان فالإقرار والمعرفة والمحبّة والرّضا والتسليم بأن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، إلها واحدا لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا ، وأنّ محمدا عبده ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والإقرار بما جاء من عند الله من نبيّ أو كتاب ، فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار والمعرفة ، وهو عمله ، وهو قول الله عزوجل : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ