وفخرها تريد أن تطفىء نور الله ، ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره ، وخرج أبو جهل من بين الصفّين ، وقال : اللهمّ ، إن محمدا أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرفه فأحنه (١) الغداة ، فأنزل الله على رسوله : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢). ثم أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كفّا من حصى ورمى به في وجوه قريش ، وقال : «شاهت الوجوه «فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش ، فكانت الهزيمة. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «اللهمّ لا يفلتنّ فرعون هذه الأمة أبو جهل بن هشام ، فقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون ، والتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل ، فضرب عمرو أبا جهل على فخذه ، وضرب أبو جهل عمرا على يده ، فأبانها من العضد ، فتعلّقت بجلدة فاتّكأ عمرو على يده برجله ، ثم نزا في السّماء حتى انقطعت الجلدة ، ورمى بيده.
وقال عبد الله بن مسعود : انتهيت إلى أبي جهل وهو يشتحّط في دمه ، فقلت : الحمد لله الذي أخزاك ، فرفع رأسه ، فقال : إنّما أخزى الله عبد بن أمّ عبد ، لمن الدائرة ويلك. قلت : لله ولرسوله ، وإني قاتلك ، ووضعت رجلي على عنقه. فقال ؛ ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم ، أما إنه ليس شيء أشدّ من قتلك إياي في هذا اليوم ، ألا تولّى قتلي رجل من المطيّبين أو رجل من الأحلاف (٣). فاقتلعت بيضة كانت على رأسه فقتلته ، وأخذت رأسه وجئت به
__________________
(١) الحين : الهلاك ، وأحنه : أهلكه «القاموس المحيط ٤ : ٢١٩».
(٢) الأنفال ٨ : ١٩.
(٣) لما أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في أيدي عبد الدار من الحجامة والرّفادة واللواء والسّقاية ، وأبت عبد الدار ، عقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكّدا على أن لا يتخاذلوا ، فاجتمع بنو عبد مناف وبنو زهرة وتيم وأسد ، وجعلوا طيبا في جفنة وغمسوا أيديهم فيه ، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم ، فسمّوا المطيّبين ، وتعاقدت بنو عبد الدار مع جمح ومخزوم وعديّ وكعب وسهم حلفا آخر مؤكّدا ، فسمّوا الأحلاف لذلك. «النهاية ١ : ٤٢٥ و ٣ : ١٤٩».