في الخلق الآخر فآمن به من كان آمن به في الأظلّة ، وجحده من جحد به يومئذ ، فقال : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ)(١).
وقال أبو عبد الله عليهالسلام ، في قوله : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ) إلى قوله (بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) ، قال : «بعث الله الرسل إلى الخلق وهم في أصلاب الرّجال وأرحام النّساء ، فمن صدّق حينئذ صدّق بعد ذلك» (٢).
وقال الشيخ الطبرسيّ (رحمهالله تعالى) : ثم بين سبحانه قصة من بعثه بعد نوح ، فقال : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد نوح ، وإهلاك قومه (رُسُلاً) يريد إبراهيم ، وهودا ، وصالحا ، ولوطا ، وشعيبا (إِلى قَوْمِهِمْ) الذين كانوا فيهم بعد أن تناسلوا ، وكثروا (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : فأتوهم بالبراهين والمعجزات الدالة على صدقهم ، الشاهدة بنبوتهم (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) أي لم يكونوا ليصدقوا ، يعني أولئك الأقوام الذين بعث إليهم الرسل ، بما كذبت به أوائلهم الذين هم قوم نوح أي : كانوا مثلهم في الكفر والعتو. وقيل : معناه لم يكن منهم من يؤمن من بعد هذه الآيات بما كذبوا به من قبلها ، بل كانت الحالتان سواء عندهم قبل البينات وبعدها ...
(كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) أي : نجعل على قلوب الظالمين لنفوسهم ، الذين تعدوا حدود الله ، سمة وعلامة على كفرهم ، يلزمهم الذم بها ، ويعرفهم بها الملائكة ، كما فعلنا ذلك بقلوب هؤلاء الكفار.
وقد مر معاني الطبع والختم فيما تقدم (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : من الرسل ، أو من بعد الأمم (مُوسى وَهارُونَ) عليهالسلام نبيين مرسلين (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي : ورؤساء قومه (بِآياتِنا) أي : بأدلتنا ومعجزاتنا (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الانقياد لها ، والإيمان بها (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) عاصين
__________________
(١) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ١٢٦ ، ح ٣٥.
(٢) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ١٢٦ ، ح ٣٦.