ولم يكن له في دفعها حيلة ، قال لقومه : (ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) بالسحر بليغ في عمله ، وإنما طلب فرعون كل ساحر ، ليتعاونوا على دفع ما أتى به موسى ، وحتى لا يفوته شيء من السحر بتأخر بعضهم. وإنما فعل ذلك للجهل بأن ما أتى به موسى من عند الله ، وليس بسحر ، وبعد ذلك علم أنه ليس بسحر ، فعائد كما قال سبحانه (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) وقيل : أنه علم أنه ليس بسحر ، ولكنه ظن أن السحر يقاربه مقاربة تشبيه.
(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ) الذين طلبهم فرعون ، وأمر بإحضارهم وموسى حاضر (قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) وفي الكلام حذف يدل عليه الظاهر وتقديره فلما أتوه بالسحرة وبالحبال والعصي قال لهم موسى (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) أي : اطرحوا ما جئتم به. وقيل : معناه افعلوا ما أنتم فاعلون. وهذا ليس بأمر بالسحر ، ولكنه قال ذلك على وجه التحدي والإلزام أي : من كان عنده ما يقاوم المعجزات ، فليلقه. وقيل : إنه أمر على الحقيقة بالإلقاء ليظهر بطلانه ، وإنما لم يقتصر على قوله (أَلْقُوا) لأنه أراد ألقوا جميع ما أنتم ملقون في المستأنف ، فلو اقتصر على (أَلْقُوا) ما أفاد هذا المعنى. والإلقاء : إخراج الشيء عن اليد إلى جهة الأرض ، ويشبه بذلك قولهم : ألقى عليه مسألة ، وألقى عليه رداه (فَلَمَّا أَلْقَوْا) أي : فلما ألقت السحرة سحرهم (قالَ مُوسى) لهم (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) أي : الذي جئتم به من الحبال ، والعصي ، السحر. أدخل عليه الألف واللام للعهد ، لأنهم لما قالوا لما أتى به موسى أنه سحر قال عليهالسلام : ما جئتم به هو السحر ... (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) أي : سيبطل هذا السحر الذي فعلتموه (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) معناه : إن الله لا يهيء عمل من قصد إفساد الدين ، ولا يمضيه ويبطله حتى يظهر الحق من الباطل ، والمحق من المبطل. (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَ) أي : يظهر الله الحق ،