من يمنعني من عذاب الله إن أنا طردت المؤمنين ، فكانوا خصمائي عند الله في الآخرة (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي : أفلا تتفكرون فتعلمون أن الأمر على ما قلته؟ وفرق علي بن عيسى بين التفكر والتذكر ، بأن التذكر طلب معنى قد كان حاضرا للنفس. والتفكر طلب معرفة الشيء بالقلب ، وإن لم يكن حاضرا للنفس. وليست النصرة المذكورة في الآية من الشفاعة في شيء ، لأن النصرة : هي المنع على وجه المغالبة ، والقهر. والشفاعة هي المسألة على وجه الخضوع ، فلا دلالة في الآية على نفي الشفاعة للمذنبين ، على ما قال بعضهم (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) هذا تمام الحكاية عما قاله نوح لقومه ، ومعناه : إني لا أرفع نفسي فوق قدرها ، فأدعي أن عندي مقدورات الله تعالى ، فأفعل ما أشاء ، وأعطي ما أشاء ، وأمنع من أشاء ... وقيل : خزائن الله : مفاتيح الله في الرزق. وهذا جواب لقولهم : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) أو قولهم : (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) أي : ولا أدعي علم الغيب حتى أدلكم على منافعكم ومضاركم. وقيل : لا أعلم الغيب فأعلم ما تسرونه في نفوسكم ، فيكون جوابا لقولهم إن هؤلاء الذين آمنوا بك ، اتبعوك في ظاهر ما ترى منهم أي : فسبيلي قبول إيمانهم الذي ظهر لي ، ولا يعلم ما يضمرونه إلا الله تعالى (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) فأخبركم بخبر السماء من قبل نفسي ، وإنما أنا بشر لا أعلم الأشياء من غير تعليم الله تعالى. وقيل : معناه لا أقول إني روحاني غير مخلوق من ذكر وأنثى ، بل أنا بشر مثلكم خصني الله بالرسالة (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) أي : لا أقول لهؤلاء المؤمنين الذين تستقلونهم ، وتستخفونهم ، وتحتقرهم أعينكم ، لما ترون عليهم من زي الفقراء (لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) أي : لا يعطيهم الله في المستقبل خيرا على أعمالهم ، ولا يثيبهم عليها ، بل أعطاهم الله كل خير في الدنيا من التوفيق ، ويعطيهم كل خير في الآخرة من الثواب (اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي