العقل ، وبعثة الرسل إليهم ، وإقامة الحجج لهم. وهذا تعجيب وتوبيخ لهؤلاء الذين سلكوا سبيل من قبلهم في الفساد نحو عاد ، وثمود ، والقرون التي عدها القرآن ، وأخبر بهلاكها أي : إن العجب منهم ، كيف لم تكن من جملتهم بقية في الأرض ، يأمرون فيها بالمعروف ، وينهون عن المنكر؟ وكيف اجتمعوا على الكفر حتى استأصلهم الله بالعذاب ، وأنواع العقوبات لكفرهم بالله ، ومعاصيهم له. وقيل : (أُولُوا بَقِيَّةٍ) معناه : ذوو دين وخير. وقيل : معناه ذوو بركة. وقيل : ذوو تمييز وطاعة (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) المعنى : إن قليلا منهم كانوا ينهون عن الفساد ، وهم الأنبياء والصالحون الذين آمنوا مع الرسل ، فأنجيناهم من العذاب الذي نزل بقومهم. وإنما جعلوا هذا الاستثناء منقطعا ، لأنه إيجاب لم يتقدم فيه صيغة النفي ، وإنما تقدم تهجين خرج مخرج السؤال ، ولو رفع لجاز في الكلام. (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ) أي : وأتبع المشركون ما عودوا من النعم والتنعم ، وإيثار اللذات على أمور الآخرة ، واشتغلوا بذلك عن الطاعات (وَكانُوا) أي : وكان هؤلاء المتنعمون البطرون (مُجْرِمِينَ) مصرين على الجرم.
وفي الآية دلالة على وجوب النهي عن المنكر ، لأنه سبحانه ذمهم بترك النهي عن الفساد ، وأخبر بأنه أنجى القليل منهم لنهيهم عن ذلك ، ونبه على أنه لو نهى الكثير كما نهى القليل ، لما هلكوا. ثم أخبر سبحانه أنه لم يهلك إلا بالكفر والفساد ، فقال : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) وذكر في تأويله وجوه :
١ ـ إن المعنى وما كان ربك ليهلك القرى بظلم منه لهم ، ولكن إنما يهلكهم بظلمهم لأنفسهم ، كما قال : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) الآية.
٢ ـ إن معناه لا يؤاخذهم بظلم واحدهم ، مع أن أكثرهم مصلحون ، ولكن إذا عم الفساد ، وظلم الأكثرون ، عذبهم.