الأولى بالسماء والشمس والقمر ، لأن أكثر ما في العالم متعلق بذلك وجار مجراه كالنبات والحرث والنسل ، ثم ذكر في هذه الآية الأرض وتدبيره لها على ما فيه من المصلحة لينبه بذلك من ذهب عن الاستدلال به على حكمته تعالى ، وتوحيده ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) يعني بسطها طولا وعرضا (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) يعني جبالا راسيات ثابتات ، يقال : رسي هذا الوتد وأرسيته.
وواحد (الرواسي) راسية (وَأَنْهاراً) أي وخلق فيها أنهارا يجري المياه فيها (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ثم ابتدأ فقال : وجعل فيها من جميع الثمرات زوجين أي ضربين. قال الحسن يعني لونين من كل ما خلق من البنات. والزوج يكون واحدا ويكون اثنين ، وههنا واحد.
وقريش تقول : للأنثى زوج وللذكر زوج قال الله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(١) لآدم.
ومعنى (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) أي يجلل الليل النهار والنهار الليل. والمعنى أنه يذهب كل واحد منهما بصاحبه ومثله (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ)(٢) والمعنى أن أحدهما يذهب الآخر. ثم أخبر تعالى أن فيما ذكره من الدلالات لآيات واضحات لمن فكر ، واعتبر بها ، لأن من لم يفكر فيها ولم يعتبر ، كأنه لا آية له.
وقوله (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) إنما أكد بـ (اثْنَيْنِ) وإن كان قوله (زَوْجَيْنِ) أفاد العدد لأمرين :
١ ـ على وجه التأكيد وهو مستعمل كثيرا.
__________________
(١) البقرة : ٣٥ ، والأعراف : ١٩.
(٢) الزمر : ٥.