كما كفر هؤلاء (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) أي : فعاقبهم الله (بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) أي : قادر لا يقدر أحد على منعه عن إحلال العقاب بما يريد (شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن استحقه. ولا يوصف الله سبحانه بأنه شديد ، لأن الشديد هو المتداخل على صعوبة تفككه ، وإنما وصف العقاب بالشدة دون نفسه ، وشبه حال المشركين في تكذيبهم آيات الله بحال آل فرعون. لأن تعجيل العقاب لهؤلاء بالإهلاك ، كتعجيله لأولئك بعذاب الاستئصال (ذلِكَ) أي : ذلك الأخذ والعقاب لهم (بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) معناه : بأن الله لم يكن يزيل نعمة أنعمها على قوم ، حتى يتغيروا هم عن أحوالهم المرضية إلى أحوال لا يجوز لهم أن يتغيروا إليها ، وهو أن يستبدلوا المعصية بالطاعة ، وكفران النعمة بشكرها ، وقد يسلب الله تعالى النعمة على وجه المصلحة ، لا على وجه العقاب ، امتحانا لمصلحة يعلمها في ذلك ، ولكن لا يسلبها بفعل النقمة على وجه العقاب ، إلا عمن استحق العقاب.
قال السدي : النعمة التي أنعمها الله عليهم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أنعم الله به على قريش ، فكفروا به ، وكذبوه ، فنقله إلى الأنصار (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بضمائرهم وبكل شيء (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : كعادتهم وطريقتهم في التكذيب بآيات الله عادة هؤلاء (كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي : بحججه وبيناته (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أي : استأصلناهم (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) أي : كل هؤلاء المهلكين كانوا ظالمين لأنفسهم ، فلم نعاقب فريقا منهم إلا عن استحقاق ، وإنما كرر قوله (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) لأنه أراد بالأول بيان حالهم في استحقاق عذاب الآخرة ، وفي الثاني : بيان استحقاقهم لعذاب الدنيا ، وقيل : إن في الأول تشبيه حالهم بحال أولئك في التكذيب. وفي الثاني : تشبيه حالهم بحالهم في الاستئصال. وقيل : إن الأول في أخذهم بالعذاب. والثاني : في كيفية العذاب.