لخفاء (١) القرائن لمنع الإخلال (٢) أولا ؛ لإمكان الاتكال على القرائن الواضحة ، ومنع كونه مخلا بالحكمة ثانيا ؛ لتعلق الغرض بالإجمال أحيانا.
كما إنّ استعمال المشترك في القرآن ليس بمحال (٣) كما توهم ؛ لأجل لزوم التطويل بلا طائل (٤) ، مع الاتكال على القرائن والإجمال في المقال لو لا الاتكال
______________________________________________________
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الاشتراك يوجب الإجمال فتبطل حكمة الوضع. ولازم ذلك : عدم إمكانه الوقوعي المسبب عن تنافي الاشتراك لحكمة الوضع ، وليس المقصود بالاستحالة من القائل بها إلّا هذا.
(١) هذا تعليل للاخلال بالتفهّم. فمعنى العبارة : أن الاشتراك مخلّ بالتفهم المقصود لأجل خفاء القرائن المعينة للمراد ، فيكون صدوره محالا من الواضع الحكيم لكونه لغوا.
(٢) قد أجاب صاحب الكفاية «قدسسره» عن استدلال القائل بالاستحالة بوجهين :
الأول : ما أشار إليه بقوله : «لمنع الإخلال أولا» ، لأن إمكان التفهيم والتفهّم من اللفظ المشترك بواسطة القرائن الواضحة الدلالة على المقصود من البديهيات ؛ حيث إن اللفظ قد يدل على المقصود بنفسه ، وقد يدل عليه بواسطة القرائن الواضحة ، فلا يلزم التنافي بين الاشتراك وحكمة الوضع.
فاللفظ المشترك وإن لم يدل عليه بنفسه ؛ ولكنه يدل عليه بواسطة ضم قرينة فلا يكون مخلا بغرض الوضع ، فهذا التعليل ـ أعني ـ لخفاء القرائن ـ أخص من المدعى لاختصاصه بصورة خفاء القرائن ، فلا يصلح لأن يكون دليلا على منع الاشتراك مطلقا.
الثاني : ما أشار إليه بقوله : «ومنع كونه مخلا بالحكمة ثانيا». وملخص هذا الوجه الثاني : أنّا نمنع كون الاشتراك يوجب الإخلال بغرض الواضع فإن الغرض كما يتعلق بالتفهيم والتفهم ، كذلك قد يتعلق بالإهمال والإجمال ، فلا بد من الاشتراك لتحصيل هذا الغرض.
(٣) هذا إشارة إلى القول الثاني وهو التفصيل بين القرآن وغيره ، فتوهم : أن الاشتراك في القرآن الكريم محال دون غيره.
(٤) أي : هذا إشارة إلى دليل من توهم استحالة الاشتراك في القرآن وملخصه : أن الاشتراك في القرآن يقتضي أحد أمرين :
أحدهما : لزوم التطويل بلا طائل :
ثانيهما : الإهمال والإجمال ، وكلاهما غير لائق بكلامه تعالى فيكون باطلا.