السلب صحته مطلقا فغير سديد ، وإن أريد مقيدا فغير مفيد ، لأن علامة المجاز هي صحة السلب المطلق. وفيه (١) : أنه إن أريد بالتقييد تقييد المسلوب ؛ الذي يكون سلبه
______________________________________________________
وأما وجه عدم كونه مفيدا على الثاني : فلأن علامة المجاز هي : صحة السلب المطلق ، مثل : سلب الأسد بمعناه المرتكز في الذهن عن الرجل الشجاع ، لا سلب المقيد نحو سلب الإنسان الأبيض عن الزنجي ، فإنه لا يكون علامة لكون الإنسان مجازا في الزنجي ، وحينئذ فلا يصح الاستدلال بصحة السلب على كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ ، ومجازا فيمن انقضى عنه المبدأ.
(١) أي : فيما ذكره صاحب البدائع من الإشكال على الاستدلال بصحة السلب : أنّنا نختار الشق الثاني ـ أعني : صحة السلب مقيدا. وأما قولكم : «وإن أريد مقيدا فغير مفيد» فمردود.
توضيح الردّ يتوقف على مقدمة وهي : أن القيد تارة يكون قيدا للمسلوب أعني : المشتق المحمول نحو : «زيد ليس بضارب» في حال الانقضاء أي : ليس متلبسا بالضرب الحالي.
وأخرى : يكون قيدا للسلب أي : لمفاد كلمة ليس ، فمعنى «زيد ليس في حال الانقضاء الضارب» : أن هذا العدم أعني عدم الضاربية متحقق لزيد في حال الانقضاء.
وثالثة : يكون قيدا للموضوع ـ أعني : المسلوب عنه ـ نحو : «زيد المنقضي عنه الضرب ليس بضارب».
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه إذا كان القيد قيدا للمشتق ؛ بأن يكون المسلوب هو المشتق المقيد بحال الانقضاء كما في الاحتمال الأول ـ فلا يكون صحة السلب حينئذ علامة للمجاز ، إذ يعتبر في علاميّتها صحة سلب اللفظ.
بما له من المعنى ـ أي : صحة السلب المطلق ـ والمفروض هنا : تقييده بحال الانقضاء ، فيكون السلب سلب المقيد ، وسلب المقيد لا يستلزم سلب المطلق ليكون علامة المجاز ، إذ يصدق «زيد ليس بضارب فعلا» ، ولا يصدق «زيد ليس بضارب مطلقا» ، لصدق كونه ضاربا أمس ، فصحة هذا السلب يكون المسلوب فيه مقيدا علامة لعدم وضع المشتق لخصوص المنقضي عنه المبدأ ، وإلّا لم يصح سلبه ، وليس علامة لعدم وضع المشتق للجامع بين المتلبس والمنقضي الذي هو المقصود فما ذكره المستشكل من كونه غير مفيد وإن كان في محله ؛ إلّا إنه لنا تقييد المشتق بحال الانقضاء كما أشار إليه بقوله : «إلّا إن تقييده ممنوع» ؛ وذلك لما ذكرناه من عدم الدليل على رجوع القيد إليه حتى يلزم الإشكال على كون صحة السلب علامة للمجاز في الأعم.