.................................................................................................
______________________________________________________
القول الأول : أنّ الحروف لها معان في قبال المعاني الاسميّة ؛ بمعنى : أنّ معانيها معان غير مستقلة بخلاف المعاني الاسمية فإنّها معان مستقلة.
القول الثاني : أنّ الحروف لم توضع لمعنى أصلا ، بل حالها حال علامات الإعراب فوضعت لأن تكون قرينة على كيفيّة إرادة مدخولها ؛ مثلا : وضعت لفظة «في» في قولنا زيد في الدار لأن تكون قرينة على ملاحظة الدار ؛ لا بما هو موجود عيني خارجي ، بل بما هي موجود أيني وظرف مكان لزيد مثلا ، لأنّ الدار تارة تلاحظ بما أنّ لها وجود عيني خارجي فيقال : دار زيد كذا. وأخرى : بما أنّ لها وجود أيني أي : ظرف مكان لشيء آخر فيقال : زيد في الدار ، فكلمة «في» في قولنا زيد في الدار وضعت لتدل على أنّ الدار لوحظت بنحو الأينيّة لا العينية. وهذا القول منسوب إلى نجم الأئمة المحقق الرضي فقال : إنّ الحروف لا معاني لها ، بل هي علامات لخصوصية المعاني الموجودة في مدخولاتها.
القول الثالث : أنّ الحروف وضعت للمعاني الكلية ، كأسماء الأجناس ، فلا فرق بين معاني الحروف والأسماء في عالم المفهومية ، كما لا فرق بينهما من حيث الوضع والموضوع له والمستعمل فيه ، وأنّ الكل فيها عامّ ؛ وإنّما الفرق بينهما يكون فيما هو خارج عن حريم المعنى وهو : الاستقلالية في الأسماء ، والآلية في الحروف ، وهما من قيود الوضع ومميزاته ـ على ما سيأتي توضيحه ـ من دون أن تكونا دخيلتين في الموضوع له ، فالمعنى في حدّ ذاته لا يتصف بالاستقلال ولا بعدمه ، وإنّما نشأ كل منهما من اشتراط الواضع وهما من توابع الاستعمال وشئونه. هذا ما اختاره المصنف «قدسسره» ، وقد صرّح به بقوله : «والتحقيق ...» إلخ.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إنّ في وضع الحروف والأسماء المرادفة كلفظي «من وابتداء» مثلا أقوال :
القول الأول : ما اشتهر بين المتأخرين من أنّهما مختلفان في جزئية الموضوع له وكليته ؛ بمعنى : أنّ الموضوع له في الحروف خاص وجزئي ، وفي الأسماء عام وكلي حيث لاحظ وتصور الواضع مفهوم الابتداء ، ووضع لفظه للمفهوم العام الكلي ، ووضع لفظة «من» لمصاديق ذلك المفهوم الكلي ، فالوضع فيهما عام والموضوع له والمستعمل فيه في الاسم عام ، وفي الحرف خاص. هذا ما تقدم في كلام المصنف حيث أشار إليه بقوله : «فقد توهم أنّه وضع الحروف».