وذلك (١) : لأنّ الخصوصية المتوهمة إن كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا ، فمن الواضح : أنّ كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه فيها كذلك ، بل كليا.
______________________________________________________
القول الثاني : الذي أشار إليه بقوله : «كما توهّم أيضا» وهو ما عن بعض المتأخرين من : أنّ الاختلاف بين الحروف والأسماء إنّما هو في جزئية المستعمل فيه وكليّته ؛ بعد الالتزام بعمومية الوضع والموضوع له فيهما. بمعنى : أنّ الوضع والموضوع له فيهما عام. والمستعمل فيه في الاسم عام ، وفي الحرف خاص.
القول الثالث : ما اختاره المصنف «قدسسره» من : أنّ الموضوع له والمستعمل فيه كالوضع فيهما عام والاختلاف بينهما جاء من جهة اشتراط الواضع ، بمعنى : أنّ معنى (من وابتداء) متحد ذاتا وهو مفهوم الابتداء ، ومختلف لحاظا ، فشرط الواضع أن يستعمل لفظ ابتداء إذا لوحظ المعنى استقلاليا ، ويستعمل لفظة من إذا لوحظ آليا وحالة للغير.
(١) ينفي المصنف اشتمال معاني الحروف على خصوصية توجب جزئية الموضوع له ، فيكون الموضوع له في الحروف عاما. وقوله : «لأنّ الخصوصية» تعليل لكون الموضوع له في الحروف عاما «إذ ليس هناك ما يوجب جزئية الموضوع له من الخصوصية ؛ سواء كانت تلك الخصوصية هي الوجود الخارجي أو الوجود الذهني المعبّر عنه باللحاظ».
أمّا الأول : فلوضوح : أنّه كثيرا ما يستعمل الحرف في معنى كلي ؛ كما إذا وقع في حيّز الإنشاء والحكم نظير «سر من البصرة إلى الكوفة» فإنّه من الواضح تحقق الامتثال في الابتداء بأيّ نقطة من نقاط البصرة ، والانتهاء إلى أيّ نقطة من نقاط الكوفة كوضوح تحققه في السير بأيّ نحو كان مع عدم القرينة على التعيين ، وهذا ظاهر في عموم الموضوع له للحرف كالاسم ؛ وإلّا لكان تحقق الامتثال متوقفا على ابتداء خاص وهو ما قصده الآمر ، ولم يقل به أحد.
وأمّا الثاني ـ أي : الوجود الذهني المعبر عنه باللحاظ ـ : فقد نفى المصنف أخذه في الموضوع له بوجوه :
منها : أنّ الاستعمال يستدعي تصور المستعمل فيه ، فلو كان اللحاظ الآلي مقوّما للمعنى لزم تعلق اللحاظ بالملحوظ ، وهو باطل ؛ ضرورة : أنّ الموجود لا يقبل الوجود ثانيا. هذا ما أشار إليه بقوله : «وهو كما ترى».
ومنها : أنّ اللحاظ لو كان مقوّما للمعنى لزم عدم صدقه على الخارجيات إلّا بالتجريد ؛ لأنّ المقيد بالوجود الذهني لا وجود له إلّا في الذهن وبدون التجريد يمتنع