ولذا (١) التجأ بعض الفحول إلى جعله جزئيا إضافيا.
______________________________________________________
الامتثال الخارجي ، فلا بد من إلغاء الخصوصية ، وهذا يستدعي أن يكون استعمال الحروف بلحاظ الخارج استعمالا مجازيا وهو خلاف الضرورة.
هذا ما أشار إليه بقوله : «فامتنع امتثال مثل «سر من البصرة إلّا بالتجريد ...» إلخ.
ومنها : أن اللحاظ الآلي في الحروف كاللحاظ الاستقلالي في الأسماء ؛ فكما أنّ لحاظ الاستقلالي لا يوجب جزئية الأسماء فكذلك لحاظ الآلي في الحروف.
فإن قال أحد بعدم أخذ الاستقلالي في معنى الاسم ؛ فنقول في الحرف كذلك.
فتلخص مما ذكرناه : أنّ حال المستعمل فيه والموضوع له في الحروف حالها في الأسماء في العمومية.
ومن هنا يظهر بطلان كلا التوهمين أي : توهم خصوصية الموضوع له أو خصوصية المستعمل فيه مع عمومية الموضوع له كالوضع ، إذ قد عرفت : أنّ الحق عند المصنف : أنّ معاني الحروف معان كلية وضعت ألفاظها لها ، وتستعمل فيها كأسماء الأجناس والاختلاف بينهما إنّما هو في كيفية الاستعمال : بأنّ الواضع ـ بعد ما وضع لفظ الابتداء ولفظ «من» لمعنى واحد وهو حقيقة الابتداء ـ جعل على المستعملين أن لا يستعملوا لفظ الابتداء ، إلّا على نحو إرادة المعنى مستقلا ، ولفظ «من» إلّا على نحو إرادة المعنى تبعا وحالة للغير.
فليس كون المعنى استقلاليا قيدا لمعنى الاسم ، كما إنّه ليس كون المعنى آليا قيدا لمعنى الحرف ، فالقول بأنّ للحروف معان في قبال المعاني الاسمية وهو القول الأول باطل.
وكذلك ليس الحرف علامة على خصوصية معنى مدخوله بأن لا يكون له معنى أصلا وهو القول الثاني ؛ إذ كون الحرف علامة على خصوصية مدخوله كالإعراب على خلاف ما هو المعروف بين النحاة من انقسام الكلمة إلى اسم وفعل وحرف ، فإن لازم عزل الحرف عن المعنى هو انحصار الكلمة في الاسم والفعل ولم يقل به أحد.
فالمتحصل من عبارة المصنف : أن الأقوال في كيفية وضع الحروف ثلاثة : ١ ـ الوضع العام والموضوع له الخاص. ٢ ـ عموميّة كل من الوضع والموضوع له ، مع خصوصية المستعمل فيه. ٣ ـ عمومية الكل وهو مختار المصنف «قدسسره» ، وقد تركنا ما في المقام من النقض والابرام رعاية للاختصار.
(١) أي : لما ذكرناه سابقا من عموم الوضع والموضوع له والمستعمل فيه في الحروف «التجأ بعض الفحول» ـ أي : صاحب الفصول (*) ، أو صاحب حاشية المعالم ـ : إلى جعل
__________________
(*) الفصول الغروية ، ص ٢٠ ، س ٧.