أو تكون؟ قيل : بظهورها فيه ؛ إما لغلبة الاستعمال فيه أو لغلبة وجوده أو أكمليته والكل كما ترى ؛ ضرورة : إن الاستعمال في الندب وكذا وجوده ، ليس بأقل لو لم يكن بأكثر. وأما الأكملية فغير موجبة للظهور ؛ إذ الظهور لا يكاد يكون إلّا لشدة أنس اللفظ بالمعنى ، بحيث يصير وجها له. ومجرد الأكملية لا يوجبه كما لا يخفى.
نعم (١) ؛ فيما كان الآمر بصدد البيان ، فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على
______________________________________________________
الصيغة في الندب ليس بأقل لو لم يكن بأكثر من استعمالها في الوجوب ، وكذلك وجود الوجوب أيضا ليس بأكثر لو لم يكن بأقل من الندب ، فهذا الجواب في الحقيقة يرجع إلى منع الصغرى أعني : كثرة استعمال صيغة الأمر في الوجوب ، أو كثرة وجوده من الندب ؛ لأن الاستعمال في الندب ، وكذا وجوده الخارجي لو لم يكن أكثر من الوجوب فليس بأقلّ منه.
وأما أكملية الوجوب : فهي غير موجبة للظهور في الوجوب ؛ لأن الظهور إنما ينشأ من شدة أنس اللفظ بالمعنى ؛ بحيث يصير وجها ومرآة له ، على حدّ إذا أحضر المتكلم اللفظ كأنّه أحضر المعنى بعينه. والأكملية وحدها لا توجب ذلك حتى يقال : إن الأكملية دليل على ظهور صيغة الأمر في الوجوب ، وهذا الجواب يرجع إلى منع الكبرى ؛ بمعنى : أن الصغرى ـ وهي الأكملية ـ وإن كانت مسلمة إلّا إنها لا توجب ظهور اللفظ فيه كما عرفت ، فإن مجرد الأكملية لا يوجب شدة الأنس بين اللفظ والمعنى كما أشار إليه بقوله : «ومجرد الأكملية لا يوجبه».
(١) لمّا أبطل المصنف الوجوه الثلاثة المتقدمة سلك طريقا آخر لاستظهار الوجوب من الصيغة ؛ فقال بظهورها فيه عند الإطلاق وتمامية مقدمات الحكمة فيقال : إن مقدمات الحكمة تقتضي الوجوب ؛ لأن المتكلم في مقام البيان وإرادة الندب من مجرد الطلب المستفاد من الصيغة غير ممكنة ، لاحتياج إرادته إلى مزيد بيان ، وعدم كفاية نفس الطلب في ذلك ، حيث إن مميّز الندب ـ وهو الترخيص في الترك ـ ليس من سنخ الطلب حتى يصح الاعتماد عليه في بيانه ، هذا بخلاف الوجوب فان مميّزه ـ وهو المنع من الترك ـ من سنخ الطلب ، لأن المنع من الترك هو نفس الطلب حقيقة ، لأنه عبارة أخرى عن طلب عدم الترك الذي هو عين طلب الفعل ، فيجوز للمتكلم الاتكال في بيانه على ما يدل على طبيعة الطلب ؛ من دون لزوم محذور إخلال بالغرض ، فإطلاق الطلب كاف في إرادة الوجوب دون الندب ؛ لأن فصل الندب ـ وهو الترخيص في الترك ـ أمر زائد على الطلب ، فيحتاج إلى مزيد بيان ، فلا يمكن الاتكال في بيانه على ما يدل على نفس الطلب لتحديد الطلب فيه بأمر خارج عن حقيقته ، بخلاف الوجوب فإنه لا تحديد فيه