موافقة الأول بدون قصد امتثاله ، فلا يتوسل الآمر إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة (١) ، وإن لم يكد يسقط بذلك فلا يكاد يكون له وجه ، إلّا عدم حصول غرضه بذلك من أمره ؛ لاستحالة سقوطه (٢) مع عدم حصوله ، وإلا (٣) لما كان موجبا لحدوثه ، وعليه : فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدد الأمر ، لاستقلال
______________________________________________________
وثانيهما : بقاء الغرض على حاله ، وعدم حصوله بإتيان الفعل مجردا عن قصد الامتثال ؛ بأن يكون الواجب تعبديا.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه على الاحتمال الأول يسقط الأمر بمجرد الإتيان بالفعل ولو لا بداعي أمره ، فلا يكاد يبقى مجال لموافقة الأمر الثاني ؛ وذلك لسقوط الأمر الأول بمجرد الإتيان بالفعل ، وليس هناك غرض موجب له ، فيكون الأمر الثاني لغوا غير صادر من الشارع الحكيم.
وأما على الاحتمال الثاني : ـ أي : بقاء الغرض وعدم سقوط الأمر الأول بأن يكون تعبديا ـ فلا حاجة إلى الأمر الثاني المولوي شرعا ، لكفاية حكم العقل بذلك بأنه يستقل بإتيان المأمور به ؛ على وجه يحصل القطع بحصول الغرض من الأمر ـ وهو إتيانه بداعي الأمر ـ فلا حاجة إلى الأمر الثاني شرعا على كلا الاحتمالين.
(١) المراد بالحيلة والوسيلة هو : تعدد الأمر ، كما فرضه المتوهم.
(٢) أي : لاستحالة سقوط الأمر الأول مع عدم حصول الغرض من مجرد الموافقة.
لا يقال : إنه يسقط الأمر مع عدم حصول الغرض فإنه يقال : إذن معناه : لا يوجب الغرض حدوث الأمر ، وهو باطل بالضرورة والوجدان.
وكيف كان ؛ فلا حاجة للآمر في الوصول إلى غرضه ـ وهو إيجاد الطبيعة بداعي الأمر ـ إلى وسيلة تعدد الأمر ؛ وذلك لما عرفت من : أن العقل يستقل ويحكم بوجوب الموافقة على نحو يحصل به غرض الآمر. وعدم حصول غرض الآمر بمجرد موافقة الأمر الأول ـ لو لم يأت بداعي الأمر ـ يكون أمرا ظاهرا فيما لو كان الواجب تعبديا. ويسقط أمر المولى بإتيان المأمور بالأمر الأول بداعي أمره على ما يستقل به العقل ، فلا موضوع للأمر الثاني.
(٣) أي : ولو لم يكن سقوط الأمر بدون حصول الغرض مستحيلا ؛ لما كان الغرض موجبا لحدوث الأمر وهو بديهي البطلان ؛ لأن عليّته للحدوث تقتضي عليته للبقاء أيضا.
وبالجملة : أن سقوط أمر المولى يتوقف على حصول غرضه من أمره ، كما أن عدم سقوط الأمر يدل على عدم حصول غرض المولى. ولازم ذلك استحالة سقوط الأمر بدون حصول الغرض.