عن عهدة التكليف المعلوم ، مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها ، فلا يكون العقاب ـ مع الشك وعدم إحراز الخروج ـ عقابا بلا بيان ، والمؤاخذة عليه بلا برهان ، ضرورة (١) : أنه بالعلم بالتكليف تصح المؤاخذة على المخالفة ، وعدم الخروج عن العهدة ، لو اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد القربة ، وهكذا الحال (٢)
______________________________________________________
حيث الأجزاء والشرائط ، ثم يشك في أنه هل حصل الامتثال أم لا؟
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الأول مجرى البراءة ؛ لأن الشك في الحقيقة راجع إلى الشك في أصل التكليف أي : وجوب الجزء المشكوك ؛ كالاستعاذة في المثال المتقدم.
والثاني مجرى الاحتياط ؛ لأن التكليف معلوم ، وإنما الشك في سقوطه والمقام من القسم الثاني ، كما أشار إليه بقوله : «لأن الشك هاهنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم ، مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها» أي : عن عهدة التكليف ، وليس الشك في أصل ثبوت التكليف ؛ لأنه يعلم بأنه مكلف بالصلاة مثلا ، ولا يدري أنه لو صلى بغير قصد الوجه خرج عن عهدة التكليف أم لا؟ فلا بد من الرجوع إلى الاحتياط ؛ لأن الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية. «فلا يكون العقاب مع الشك» في حصول الامتثال ، «وعدم إحراز الخروج» عن عهدة التكليف «عقابا بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان» ، حتى يكون موردا لأدلة البراءة ؛ على ما في «الوصول إلى كفاية الأصول».
(١) قوله : «ضرورة» تعليل لعدم كون المؤاخذة بلا برهان ؛ لأن المصحح للمؤاخذة وهو العلم بالتكليف موجود هنا ، فما لم يعلم بالخروج عن العهدة لا يخرج عن الخطر العقابي ولو كان عدم الخروج عن العهدة لأجل الإخلال بقصد القربة ؛ لأن المفروض : توقف حصول الغرض عليه.
وحاصل الكلام في وجه أصالة الاشتغال في المقام : أن الشك في المقام واقع في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم ، والعقل يستقل بلزوم الخروج عن عهدته ، فإنّا إذا علمنا أن شيئا خاصا ـ كالعتق مثلا ـ واجب قطعا ، ولم نعلم أنه تعبدي يعتبر فيه قصد القربة أم توصلي ، لا يعتبر فيه ذلك ، فما لم يأت به بقصد القربة لم يعلم بالخروج عن عهدة التكليف المعلوم تعلقه به ، فإذا لم يأت به كذلك وقد صادف كونه تعبديا يعتبر فيه قصد القربة ، فلا يكون العقاب حينئذ عقابا بلا بيان ، والمؤاخذة عليه بلا برهان.
(٢) أي : لا يختص ما ذكرناه ـ من كون الأصل في الشك في التعبدية والتوصلية هو الاشتغال لا البراءة ـ بقصد القربة ، بل هكذا الحال في الوجه والتمييز ، بل يجري في كل ما لا يمكن دخله في متعلق الأمر لا شطرا ولا شرطا ؛ لترتبه على الأمر ، وترشحه منه كقصد الوجه والتمييز ؛ كما أشار إليه بقوله : «مما لا يمكن اعتباره في المأمور به ...» إلخ ؛