جواز التراخي ، والدليل عليه : تبادر طلب إيجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقييدها بأحدهما ، فلا بد في التقييد من دلالة أخرى ، كما ادّعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية (١).
______________________________________________________
على عدم دلالة الصيغة على شيء من الفور والتراخي «هو : تبادر طلب إيجاد الطبيعة منها» أي : من الصيغة «بلا دلالة على تقييدها» أي : الطبيعة المأمور بها «بأحدهما» أي : الفور والتراخي ، «فلا بد في التقييد من دلالة أخرى» أي : غير الدلالة الراجعة إلى الصيغة.
فالمتحصل : أنه إذا تمسكنا بالإطلاق ونفينا به الفورية كان لازم ذلك : جواز التراخي لأنه لا فرق في حجية الأصول اللفظية بين المثبت منها وغيره ، هذا فيما إذا كان هناك أصل لفظي كالإطلاق مثلا.
وأما إذا لم يكن ـ كما إذا كان الدليل مجملا ـ فالمرجع هو الأصل العملي ـ وهو في المقام أصالة البراءة ـ للشك في اعتبار خصوصية زائدة كالفور والتراخي ، وحيث لا دليل عليه فأصالة البراءة تقتضي عدم اعتبارها ، ولازم ذلك : جواز التراخي.
وكيف كان ؛ فالحق عند المصنف هو : عدم دلالة الصيغة على الفور والتراخي إلّا بالدلالة الخارجية ، ويتمسك بالأدلة الخارجية كآيتي المسارعة والاستباق على الفورية.
(١) قال في المعالم في عداد أدلة القائلين بالفور : الرابع : قوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)(١) فإن المراد بالمغفرة سببها وهو فعل المأمور به لا حقيقتها ؛ لأنها فعل الله سبحانه ، فيستحيل مسارعة العبد إليها ، وحينئذ فيجب المسارعة إلى فعل المأمور به.
وقوله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ)(١) ؛ فإن فعل المأمور به من الخيرات فيجب الاستباق إليه ، وإنما يتحقق المسارعة والاستباق بأن يفعل بالفور وهو المطلوب عند القائلين بالفور ، فالحاصل : أن الإتيان بالمأمور به خير وسبب للمغفرة ، ثم المراد بغفران السيئات ليس هو الإحباط بمعنى : مقابلة السيئة للحسنة ، ثم حصول الكسر والانكسار في الدنيا ؛ لبطلان هذا بالإجماع ؛ فإن العقلاء يحكمون بأن الناس مجزيون بأعمالهم ، وأما بمعنى : إذهاب أحدهما الآخر مع بقائه فلا إشكال فيه ؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات ، والكفر والشرك والغيبة والحسد يحبط الحسنات.
وكيف كان ؛ فدلالة التسابق على الفور واضحة ؛ لأن فعل المأمور به من الخيرات ، فيجب الاستباق إليه بمقتضى الآية المباركة.
وأما آية المسارعة : فلأنه لمّا كانت المسارعة إلى المغفرة ـ التي هي من أفعال الله تعالى
__________________
(١) آل عمران : ١٣٣.
(١) آل عمران : ١٣٣.