مرادة للافظها ، لما عرفت بما لا مزيد عليه ، من أن قصد المعنى على أنحائه (١) من مقومات الاستعمال ، فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه.
هذا مضافا (٢) إلى ضرورة : صحة الحمل والإسناد في الجمل بلا تصرف (٣) في
______________________________________________________
(١) أي : من كونه على نحو الاستقلالية أو الآلية ، أو كونه مرادا للمتكلم من لوازم ومقومات الاستعمال المتأخر بالطبع عن المستعمل فيه ، «فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه» ، إذ لو أخذ قيدا من قيوده لزم تقدم ما هو متأخر وهو مستحيل ، ثم ما لا يكون قيدا للمستعمل فيه لا يكاد أن يكون قيدا للموضوع له بطريق أولى ، بل يلزم الدور.
بيانه : أن قصد المعنى وإرادته يتوقف على استعمال اللفظ في معناه ، فلو أخذ قصد المعنى قيدا له لزم توقف استعمال اللفظ فيه على قصده وإرادته وهو الدور. فقوله : «لا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه» إشارة إلى هذا المحذور. والحاصل : أنّ قصد المعنى على أنحائه من شئون الاستعمال ؛ فلا يؤخذ قيدا في المستعمل فيه.
(٢) أي : هذا إشارة إلى الوجه الثاني وهو المحذور الثاني.
(٣) أي : كتجريد ألفاظ الأطراف أي : الموضوع والمحمول عن الإرادة ، فصحة الحمل والإسناد في الجمل ـ من دون التصرف بتجريد ألفاظ الأطراف ـ دليل على عدم أخذ الإرادة جزءا أو شرطا للمعاني.
أمّا تقريب هذا الوجه الثاني بالقياس الاستثنائي فيقال : إنّه لو كان للإرادة دخل في المعاني جزءا أو شرطا لما صح الحمل والإسناد في مثل «زيد قائم» ، ـ و «ضرب زيد» إلّا بالتجريد أي : تجريد ألفاظ الأطراف عن الإرادة ، والتالي باطل فالمقدم مثله ، ثم القياس الاستثنائي لا يتم الاستدلال به إلّا بعد ثبوت الملازمة بين المقدم والتالي فنقول : إن الملازمة في المقام ثابتة ضرورة : إنه مع دخل الإرادة في المعاني لا يصح الحمل أو الإسناد إلّا بالتجريد ؛ لوضوح : أن المحمول في مثال «زيد قائم» ، والمسند في مثال : «ضرب زيد» هو نفس القيام والضرب لا بما هما مرادان ، فلا محيص عن التصرف فيهما بالتجريد وإلغاء الإرادة عنهما. هذا ملخص بيان الملازمة.
وأمّا بطلان التالي ، فلأن الالتزام بالتجريد مع كونه موجبا للمجازية ، ولغوية أخذ الإرادة قيدا للموضوع له مخالف للوجدان.
هذا مضافا إلى أنّ أخذ الإرادة قيدا للمعاني مستلزم لإنكار عموم الموضوع له في عامة الألفاظ ـ حتى في أسماء الأجناس ـ ضرورة : أن أخذ مصداق الإرادة قيدا لمعنى يستدعي جزئية المعنى دائما. هذا هو الوجه الثالث الذي أشار إليه بقوله : «مع إنّه يلزم