على وجه دائر ، ولا يتأتّى (١) التفصي عن الدور بما ذكر في التبادر هنا ، ضرورة : أنّه مع العلم بكون الاستعمال على نحو الحقيقة لا يبقى مجال لاستعلام حال الاستعمال بالاطراد أو بغيره.
______________________________________________________
(١) لا يمكن التخلّص عن إشكال الدور هنا بما ذكر في التبادر من الإجمال والتفصيل ، ومن كون التبادر عند العالم بالوضع علامة للحقيقة عند الجاهل بها ؛ وذلك لأنّ العلم الإجمالي الارتكازي بالوضع يكفي هناك في رفع غائلة الدور ، ولا يكفي هنا لمعرفة كون الاستعمال على وجه الحقيقة أو من غير تأويل ، بل لا بدّ من علم تفصيلي يلتفت إليه الإنسان ، ومعه لا يحتاج إلى الاطراد.
وبعبارة أخرى : بعد أن أخذت معرفة الحقيقة في أصل الدليل أعني الاطراد ، وكونه علامة على الوضع والحقيقة ، فلا بدّ من حصولها تفصيلا ، ومع حصول المعرفة تفصيلا بالحقيقة والوضع لا معنى لعلاميّة الاطراد للحقيقة ، لأنه تحصيل للحاصل ، ومن هنا يظهر : إنه لا يبقى مجال لاستعلام الجاهل ـ حال الاستعمال ـ من العالم ، إذ الجاهل لا بدّ أن يعلم تفصيلا تحقق علامية الاطراد عند العالم ، والمفروض : أن العلامة هي الاطراد على وجه الحقيقة ، فلا بد أن يعلم المستعلم الجاهل تفصيلا بأنّ الاطراد عند العالم كونه على نحو الحقيقة ولو بإخباره ، ومع علمه تفصيلا بالحقيقة لا معنى لعلامية الاطراد.
خلاصة البحث في علامات الحقيقة والمجاز مع رأي المصنف «قدسسره» :
أمّا علامات الحقيقة فهي أربعة : ١ ـ تنصيص أهل اللغة. ٢ ـ تبادر المعنى من حاق اللفظ. ٣ ـ عدم صحة السلب أو صحة الحمل. ٤ ـ الاطراد.
وأمّا علامات المجاز فهي على ثلاثة أقسام : ١ ـ عدم التبادر. ٢ ـ صحة السلب. ٣ ـ عدم الاطراد.
وأمّا المصنف فيقول : بأن كل واحد من التبادر وعدم صحة السلب من علامات الحقيقة ، وكذلك عدم التبادر وصحة السلب من علامات المجاز ، وأمّا الاطراد والتنصيص فليس وجودهما من علامات الحقيقة ، ولا عدمهما من علامات المجاز ؛ لأنّ التنصيص يرجع إلى حجية القول اللغوي ، فلذا لم يذكره المصنف «قدسسره».
وأمّا الاطراد فهو حاصل في المعنى المجازي أيضا ، فيكون أعم من الحقيقة ، والعام لا يدل على الخاص.