قلت : نعم ؛ وإن استحال صدور الممكن بلا علة ، إلّا إن مبادئ اختيار الفعل الاختياري من أجزاء علته وهي لا تكاد تتصف بالوجوب ، لعدم كونها بالاختيار ، وإلّا لتسلسل ، كما هو واضح لمن تأمل.
ولأنه (١) لو كان معتبرا فيه الترتّب ، لما كان الطلب يسقط بمجرد الإتيان بها ، من
______________________________________________________
أخرى ، وهي مسبوقة بإرادة ثالثة ، وهي مسبوقة بإرادة رابعة حتى تنتهي إلى ما لا نهاية له ، فيلزم التسلسل وهو باطل ، فتكون الإرادة غير اختيارية ، وكل ما يخرج عن حيّز الاختيار لا يتعلق به التكليف مطلقا ولو غيريا ، فالعلة المركبة من الاختيارية وغيرها لا تتصف بالوجوب ، فالمقدمة الموصلة في غالب الواجبات لا تتصف بالوجوب ، فيختص القول بوجوب المقدمة الموصلة بمقدمات الواجبات التوليدية ، كالإحراق والقتل والتذكية ونحوها من المسببات التوليدية ، التي لا تناط بالإرادة ، مع أن صاحب الفصول يصرح بوجوب المقدمة الموصلة مطلقا. وعليه فلا يندفع الإشكال.
والمراد بالمبادئ في قوله : «إلّا إن مبادئ اختيار الفعل الاختياري من أجزاء علته» هي : الإرادة ومباديها من الخطور وتصور فائدته والتصديق بها ، والميل وهو هيجان الرغبة إليه ، ثم الجزم ، وهو حكم القلب بأنه ينبغي صدوره ، والمرجع لضمير «علته» هو : الفعل ولضمير «هي» مبادئ وحاصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٢ ، ص ٣٠٦» ـ إن العلة المركبة من الأمر الاختياري وغيره لا تكون اختيارية ، فلا يتعلق بها التكليف لا نفسيا ، ولا غيريا. فالإرادة التي يتوقف عليها الفعل الاختياري ، وتكون موصلة إليه لا تتصف بالوجوب الغيري ؛ لعدم كونها اختيارية ، «وإلّا لتسلسل» أي : ولو كانت الإرادة من الأمور الاختيارية لزم التسلسل ، ووجوب إرادة كل إرادة ؛ لوجود مناط الاتصاف بالوجوب وهو المقدمية في كل مقدمة ولو مع الواسطة ، فإن المقدمية سارية في جميع سلسلة الإرادات غير المتناهية ، وهي الموجبة لوجوبها ، إلّا إن التسلسل باطل ، فكون الإرادة من الأمور الاختيارية الموجبة لوجوبها أيضا باطل.
(١) هذا هو الوجه الثالث : من الردّ على صاحب الفصول ، أورده عليه الشيخ في التقريرات وحاصله : أن من راجع وجدانه وأنصف من نفسه حكم بالضرورة بسقوط وجوب المقدمة بإتيانها بلا ترتب ذي المقدمة عليها ، فلو كان وجوبها منوطا بترتب ذيها لم يسقط وجوبها بلا ترتب ذيها عليها ، مع إنه يسقط.
وبديهي : أن سقوطه ليس من باب سقوط التكليف بالعصيان ، أو بانتفاء الموضوع ، بل من باب سقوطه بالامتثال ، فكانت متصفة بالوجوب مع قطع النظر عن الترتب ، فهذا السقوط يدل على عدم دخل ترتب الواجب على المقدمة في طلب المقدمة ووجوبها ،