يمكن تحقق ذيها بدونها ، إلّا إن العادة جرت على الإتيان به بواسطتها ، فهي (١) وإن كانت غير راجعة إلى العقلية ، إلّا إنه لا ينبغي توهم دخولها في محل النزاع ، وإن كانت (٢) بمعنى : أن التوقف عليها وإن كان فعلا واقعيا كنصب السلم ونحوه للصعود على السطح ، إلّا إنه لأجل عدم التمكن من الطيران الممكن عقلا فهي أيضا راجعة إلى العقلية ، ضرورة : استحالة الصعود بدون مثل النصب عقلا لغير الطائر فعلا ، وإن كان طيرانه ممكنا ذاتا. فافهم (٣).
______________________________________________________
(١) جواب الشرط في قوله : «فإن كانت بمعنى أن يكون التوقف عليها بحسب العادة» فهي أي : المقدمة العادية «وإن كانت غير راجعة إلى العقلية». وجه عدم رجوعها إلى العقلية هو : كون المقدمية بحسب العادة فقط ، من دون توقف عليها وجودا ؛ بحيث يمكن عادة تحقق ذي المقدمة بدونها ، مثل : ما جرت العادة على لبس الرداء قبل الخروج من الدار ، فهي مما لا ينبغي توهم دخولها في محل النزاع ؛ لعدم التوقف الوجودي كي يترشح الوجوب إليها على القول بالملازمة.
(٢) هذا معطوف على قوله : «فإن كانت ...» إلخ ، أي : وإن كان المقدمة العادية بمعنى : ما أستحيل وجود ذي المقدمة بدونه عادة ، وإن لم يكن مستحيلا عقلا ؛ نظير نصب السلم للصعود على السطح ، فهي أيضا راجعة إلى العقلية ، فإن الصعود على السطح بلا نصب السلم لغير الطائر فعلا مستحيل عقلا وإن كان طيرانه ممكنا ذاتا.
وبعبارة أخرى : أن الممتنع واقعا «تارة» : يكون امتناعه لأمر برهاني عقلي ؛ كالكون على السطح بدون طي المسافة ، حيث إنه مترتب على الطفرة التي قام البرهان على امتناعها ، «وأخرى» : لأمر طبيعي عادي كطيران الإنسان ؛ فإن امتناعه إنما هو لعدم كون الجسم الثقيل بطبعه قابلا للطيران إلّا بقاسر خارجي من جناح أو قوة خارقة للعادة ؛ فإنه ليس ممتنعا برهانا ، لكنه بالقياس إلى عادم القاسر المزبور محال عقلا.
فالمراد بالمقدمة العادية : ما هو مقدمة لما يمتنع بدونها عادة ، وإن لم يمتنع في نفسه عقلا ؛ كامتناع الصعود على السطح بدون نصب السلم وغيره من أسباب الصعود ، فإنه محال عادة وإن كان في نفسه ممكنا عقلا ، فوجوده بدون السبب محال عقلا ، فلا محالة ترجع المقدمة العادية إلى العقلية ؛ لكون توقف الصعود على السطح لغير القادر فعلا على الطيران عقليا.
(٣) لعله إشارة إلى منع رجوع المقدمة العادية إلى العقلية ؛ لأن المناط في المقدمة العقلية هو : كون التوقف عقليا ، ومع فرض إمكان الطيران عقلا لا يكون توقف الصعود على نصب السلم عقليا ، بل يكون عاديا.