وبالجملة : قضية النهي ليس إلّا ترك تلك الطبيعة التي تكون متعلقة له (١) ؛ كانت مقيدة أو مطلقة ، وقضية تركها عقلا إنما هو ترك جميع أفرادها.
ثم إنه لا دلالة للنهي على إرادة الترك (٢) لو خولف ، أو عدم إرادته ، بل لا بد في
______________________________________________________
وجه الظهور : أن عدم الجميع لما كان لازما لعدم الطبيعة المطلقة ؛ فعدم الطبيعة المقيدة لا يلازم عدم الجميع ، «فإنه حينئذ» أي : حين إطلاق الطبيعة ؛ «لا يكاد يكون مثل هذه الطبيعة» المطلقة «معدومة ؛ إلّا بعدم جميع أفرادها الدفعية» أعني : العرضية ؛ كأن يترك شرب الخمر في الدار ، وفي السوق ، وفي المسجد وهكذا. «والتدريجية» أعني : الأفراد الطولية ؛ كأن يترك الشرب في الساعة الأولى ، والثانية ، والثالثة وهكذا.
(١) للنهي فإن «كانت مقيدة» كان مقتضى النهي ترك الطبيعة المقيدة بجميع أفرادها العرضية والطولية ؛ لأن مجرد النهي عن طبيعة لا يقتضي إطلاق الترك ؛ بحيث يكون مقتضاه ترك جميع أفرادها في جميع الأزمنة والأمكنة وفي كل حال ، بل إطلاق الترك منوط بإطلاق المتعلق ، فلو كان مطلقا كان الترك مطلقا ، وإن كان مقيدا كان الترك كذلك.
والمتحصل من جميع ما ذكرنا : أن مقتضى النهي ترك الطبيعة الواقعة في حيّزه ؛ من دون دلالة له على الدوام والتكرار ، وإنما هما مستفادان من حكم العقل ، كما أن الاكتفاء بالمرة في الأمر كان مستفادا من العقل.
(٢) يعني : «لا دلالة للنهي على إرادة» المولى «الترك» ثانيا وثالثا وهكذا «لو خولف» النهي ، «أو عدم إرادته ، بل لا بدّ في تعيين ذلك من دلالة» خارجية تدل على انحلال النهي إلى نواهي متعددة ، أو على وحدة النهي ، من غير فرق بين أن يكون ذلك الدليل الخارجي لفظيا أو لبيا ، بل «ولو كان إطلاق المتعلق من هذه الجهة» ؛ بأن يكون للطبيعة الواقعة في حيز النهي إطلاق من جهة تعميمها ما بعد العصيان ؛ كما في «الوصول إلى كفاية الأصول ، ج ٢ ، ص ٣١١».
والغرض من قوله : «ثم لا دلالة للنهي» هو : أنه لو عصى النهي بإيجاد الفرد الأول من الطبيعة المنهي عنها ؛ فهل يحرم عليه إيجادها ثانيا وثالثا وهكذا ، أم يسقط النهي بالعصيان ، فلا تبقى الحرمة ، فيجوز حينئذ إتيان متعلق النهي ثانيا وثالثا وهكذا؟
وبعبارة أخرى ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٣ ، ص ٩» ـ : هل تدل صيغة النهي على حرمة كل فرد من أفراد الطبيعة المنهي عنها بنحو العام الاستغراقي ؛ بحيث يشمل جميع أفراد الطبيعة المنهي عنها حتى لا يسقط النهي بعصيانه ، أم لا تدل عليها كذلك ؛ وإنما تدل على حرمة الفرد الأول من أفرادها فقط ، فلو أتى به سقط النهي؟