وأما في صورة الاتحاد وترجيح جانب الأمر ـ كما هو المفروض ، حيث إنه صحة العبادة ـ فيكون حال النهي فيه حاله في القسم الثاني ، فيحمل على ما حمل عليه فيه ، طابق النعل بالنعل ، حيث إنه بالدقة يرجع إليه ؛ إذ على الامتناع ليس الاتحاد مع العنوان الآخر إلّا من مخصصاته ومشخصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزية زيادة ونقيصة بحسب اختلافها (١) في الملاءمة كما عرفت.
وقد انقدح بما ذكرناه (٢) ؛ أنه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في العبادة بأقلية الثواب في القسم الأول مطلقا ، وفي هذا القسم على القول بالجواز.
______________________________________________________
(١) اختلاف المخصصات والمشخصات في الملاءمة وعدمها كما عرفت في القسم الثاني ، حيث قال : «لأن الطبيعة المأمور بها في حد نفسها إذا كانت مع تشخص لا يكون له شدة الملاءمة ...» إلخ ، فراجع ما سبق في القسم الثاني.
(٢) أي : وقد ظهر بما ذكرناه في معنى أقلية الثواب. وأنها تضاف إلى المصلحة الخاصة القائمة بأصل الطبيعة : إن حمل النهي على الإرشاد إلى أقلية الثواب لا مجال له في القسم الأول الذي لا بدل له أصلا.
وجه عدم المجال : أنه لا يتصور أقلية الثواب في مثل صوم يوم عاشوراء ، والنوافل المبتدأة وغيرهما مما لا بدل له ، وتنحصر الطبيعة في فرد واحد أي : ليس لها الأفراد حتى يكون النهي إرشادا إلى الأفراد التي لا منقصة فيها ؛ إذ ليس لصوم يوم عاشوراء فرد آخر حتى يحمل النهي عنه على الإرشاد إلى إتيان الطبيعة في ضمن هذا الفرد الآخر منها.
ومجرد أرجحية الترك. لانطباق عنوان ذي مصلحة عليه أو ملازمته للترك. لا يسوغ حمل النهي عن صوم يوم عاشوراء على الكراهة ، ضرورة : أن مصلحة الترك لأجل ذلك العنوان وإن كانت أرجح من مصلحة الفعل ، ولذا يكون تركه أرجح من فعله ، إلّا إنه ليس من الكراهة بمعنى أقلية الثواب على النحو الذي ذكرناه ؛ إذ الأقلية لا بد وأن تكون في بعض أفراد الطبيعة كالصلاة في الحمام بالنسبة إلى البعض الآخر من أفراد نفس هذه الطبيعة كالصلاة في غيره ، ولا تلاحظ الأقلية بين طبيعتين كأقلية مصلحة الصوم مثلا من مصلحة الصلاة.
وفي القسم الأول من العبادات المكروهة يكون العنوان المتحد أو الملازم أرجح من الفعل ، ومن المعلوم : مغايرة ذاك العنوان للعبادة ، فهما من قبيل الطبيعتين ؛ لا فردين من طبيعة واحدة كما هو مورد حمل النهي على أقلية الثواب ، فمصلحة صوم عاشوراء باقية