وقد عرفت (١) : أنّ النهي في هذا القسم إنّما يكون نهيا عن العبادة ، بمعنى : أنّه لو
______________________________________________________
المكلّف لم يكن صحيحا ؛ لأنّ الأمر لم يتعلق به حتى يصير عبادة صحيحة ، والنهي عنه لا يدل على صحته.
نعم ؛ لو فرض إمكان اجتماع الأمر والنهي في واحد بعنوان واحد كان النهي عنه دالّا على صحته.
وكيف كان ؛ فالنهي عن العبادات يوجب عدم كون المكلف قادرا على إيجادها عبادة ؛ إذ إيجادها عبادة يتوقف على قصد القربة ، وقصد القربة يتوقف على الأمر العبادي ، والأمر العبادي لا يجتمع مع النهي عنها ؛ لاستلزامه اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد بعنوان واحد.
فالمتحصل من الجميع : أن النهي أمّا في المعاملات : فيدل على الصحة في قسمين منهما. وأما في العبادات : فدلالته على الصحة في غير الذاتية منها مجرّد فرض ، إذ المراد بالعبادة المنهي عنها حينئذ هي العبادة الشأنية ـ أي : ما لو تعلق به أمر لكان عبادة ـ كصوم العيدين ، وصلاة الحائض ، ومعلوم : أن النهي عن العبادة بهذا المعنى لا يدل على صحتها إلّا بفرض المحال أي : لو فرض محالا تعلق النهي بها لكان النهي دالّا على صحتها. كما في «منتهى الدراية ج ٣ ، ص ٢٩٦».
وأما لو كانت العبادة ذاتية : فالنهي عنها يدل على صحتها إذ لا تتوقف عباديتها على الأمر بها كي يقال إن الأمر لا يجتمع مع النهي.
(١) أي قد عرفت سابقا : أن النهي في هذا القسم من العبادة المحتاجة في عباديّتها إلى قصد القربة لا يتعلق بالعبادة الفعلية حتى يدل على صحتها ، ويلزم منه اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد بعنوان واحد ؛ بل إنّما يكون نهيا عن العبادة الشأنية بمعنى : أنه لو كان مأمورا به كان الأمر به أمر عبادة أي : لا يسقط إلا بقصد القربة ، فالنهي حينئذ لا يكشف عن صحتها ؛ لأن النهي وإن كان مشروطا بالقدرة إلّا إن القدرة على العبادة الشأنية لا تتوقف على قصد القربة حتى يتوقف على الأمر الملازم للصحة.
ويمكن أن يكون قوله : «وقد عرفت أنّ النهي ...» إلخ إشارة إلى توهم وهو : أنّه إذا كان اجتماع الأمر العبادي والنهي محالا كما سبق في قوله : «وهو محال» فيسقط البحث عن النهي في العبادة رأسا ، لأنّ العبادة الفعلية غير الذاتية المتقوّمة بقصد الأمر منوطة بالأمر ، فكيف يتعلق بها النهي إذا كان اجتماع الأمر والنهي محالا فلازم ذلك سقوط البحث عن النهي في العبادة.