استعمال المطلق في المقيد بمكان من الإمكان ـ إن كثرة إرادة المقيد لدى إطلاق المطلق ولو بدال آخر ربّما تبلغ بمثابة توجب له (١) مزية أنس ؛ كما في المجاز المشهور ، أو تعيّنا (٢) واختصاصا به ؛ كما في المنقول بالغلبة ، فافهم.
______________________________________________________
الدال والمدلول مثل «أعتق رقبة مؤمنة» ـ ربما توجب مزية أنس للمقيد مع عدم استعمال اللفظ فيه مجازا ، ويشتد هذا الأنس بالاستعمالات تدريجا إلى أن يصل إلى حد الحقيقة في المعنى الثاني ، فيصير لفظ المطلق مشتركا بين معناه الأصلي ، وبين معناه الثانوي الحاصل بالاستعمالات التدريجية ، فإن هجر معناه الأول وبقي الثاني صار منقولا.
فالنتيجة هي : أن يصل لفظ المطلق بواسطة كثرة الاستعمالات الواقعة بنحو تعدد الدال والمدلول إلى مرتبة الاشتراك أو النقل.
(١) أي : للمقيد ، يعني : أن كثرة إرادة المقيد من المطلق بتعدد الدال توجب للمقيد مزية أنس ، كما يحصل الأنس بسبب القرينة في المجاز المشهور ، كما إذا استعمل لفظ الصلاة كثيرا مع القرينة في الأركان المخصوصة ، وصارت كثرة الاستعمال مع القرينة الموجبة للأنس ، بحيث صار لفظ الصلاة مجازا مشهورا في الأركان ، وكلفظ الدابة الموضوع لمطلق ما يدب على الأرض ، ثم استعمل كثيرا في الفرس مع القرينة المعيّنة حتى صار منقولا.
(٢) عطف على «مزية» يعني : أن كثرة إرادة المقيد توجب مزية أنس بالمقيد ، كما في المجاز المشهور ، «أو تعيّنا واختصاصا به» أي : بالمقيد ، كما في المنقول بالغلبة.
وكيف كان ؛ فالظاهر من المصنف هو : كون الانصراف البالغ حدّ المجاز المشهور والاشتراك والنقل مقيّدا للإطلاق ، ومانعا عن التمسك به.
قوله : «فافهم» لعله إشارة إلى الإشكال في حصول الاشتراك والنقل من كثرة استعمال لفظ المطلق في المقيد ، بنحو تعدد الدال والمدلول ؛ إذ لا وجه لاستعمال اللفظ في معناه الموضوع له ، وصيرورته بذلك حقيقة في أمر آخر لم يستعمل فيه اللفظ أصلا ، حتى يتحقق الاشتراك أو النقل.
أو إشارة إلى الفرق بين المجاز المشهور والمنقول بالغلبة ، وهو : أن مزية الأنس بين اللفظ والمعنى الثاني لم تصل إلى حدّ الوضع والحقيقة في المجاز المشهور ، ولكن مزية الأنس بين اللفظ والمعنى المنقول إليه وصلت إلى حد الوضع والحقيقة ، ولذا يتوقف في المجاز المشهور ، ولا يحمل اللفظ على معناه الحقيقي من باب أصالة الحقيقة ، ولا يتوقف في المنقول فيحمل اللفظ على المعنى الثاني المنقول إليه بلا توقف أصلا.