عملهم دون روايتهم ، فقد وجدناهم عملوا بما طريقه هؤلاء الذين ذكرناهم ، وذلك يدلّ على جواز العمل بأخبار الكفّار والفسّاق؟
قيل لهم : لسنا نقول : إنّ جميع أخبار الآحاد يجوز العمل بها ، بل لها شرائط نذكرها فيما بعد ، ونشير هاهنا إلى جملة من القول فيه.
فأمّا ما يرويه العلماء المعتقدون للحقّ فلا طعن على ذلك بهم.
وأمّا ما يرويه قوم من المقلّدة ، فالصحيح الذي أعتقده أنّ المقلّد للحقّ وإن كان مخطئا في الأصل معفو عنه ، ولا أحكم فيه بحكم الفسّاق ، ولا يلزم على هذا ترك ما نقلوه. على أنّ من
____________________________________
(ومن شرط خبر الواحد أن يكون راويه عدلا عند من أوجب العمل به) فحينئذ لم تكن أخبار هؤلاء حجّة ؛ لأنهم فسقة إن لم يكونوا كفرة.
قوله : (وإن عوّلت على عملهم دون روايتهم) دفع لما يتوهّم من أنّنا نعتمد على عمل الأصحاب دون رواية هؤلاء الفاسقين.
فدفع هذا التوهّم بما حاصله : إنّا قد وجدنا أنّ الأصحاب قد عملوا بالرواية التي يرويها هؤلاء الرواة الذين ذكرناهم ، فأمر أخبار هؤلاء يدور بين النفي والإثبات.
فإذا اعتبرت العدالة في جواز العمل بالخبر فلا يجوز العمل بأخبار هؤلاء لكونهم فاسقين ، مع أنّ الأصحاب عملوا بما طريقه هؤلاء.
وإن اعتبرت عمل الأصحاب ، وكان المناط في جواز العمل بالخبر هو عمل الأصحاب ، فهم قد عملوا بأخبار هؤلاء ، ولازم ذلك هو جواز العمل بأخبار كلّ فاسق وكافر.
(قيل لهم : لسنا نقول : إنّ جميع أخبار الآحاد يجوز العمل بها ، بل لها شرائط).
أي : أنّ المناط في جواز العمل بالخبر وإن كان عمل الأصحاب والفرقة المحقّة كما ذكرنا ، إلّا أنهم لا يعملون بكل خبر ، بل يعملون بما هو جامع للشرائط الآتية ، ومنها : كون الراوي عادلا أو ثقة ، فعلى هذا ما يرويه العلماء المعتقدون للحقّ يكون حجّة ، ولا يرد عليه ما ذكر من الطعن.
(وأمّا ما يرويه قوم من المقلّدة) أي : الأخباريين ، والصحيح أنّهم مقلّدون للحقّ ، أي : للأخبار الصحيحة ، وإن كانوا مخطئين في الأصل ، أي : في الاستدلال ، إذ أنّهم استندوا واستدلّوا على ما لا يجوز الاستناد إليه ، ولا الاستدلال عليه من الأخبار ، وتركوا النظر