أشار إليهم لا نسلّم أنّهم كلّهم مقلّدة ، بل لا يمتنع أن يكونوا عالمين بالدليل على سبيل الجملة ، كما يقوله جماعة أهل العدل في كثير من أهل الأسواق والعامّة.
وليس من يتعذّر عليهم إيراد الحجج ينبغي أن يكونوا غير عالمين ، لأن إيراد الحجج والمناظرة صناعة ، ليس يقف حصول المعرفة على حصولها ، كما قلنا في أصحاب الجملة.
وليس لأحد أن يقول : هؤلاء ليسوا من أصحاب الجملة ؛ لأنّهم إذا سألوا عن التوحيد أو
____________________________________
والاستدلال بالبراهين العقلية ، فعلموا بالحق ، أي : اصول الدين بطريق لا يجوز الاستدلال عليه فيها وهو الأخبار ، فكانوا مخطئين في طريق العلم.
وهذا الخطأ لا يضر بعدالتهم ، لأنّ النظر في اصول الدين واجب نفسي مستقل ، ولا يكون شرطا للإيمان ، فلا يحكم عليهم بحكم الفسّاق ، وحينئذ يقبل منهم ما نقلوه من الأخبار فتكون حجّة.
هذا مضافا إلى أنّه (لا نسلّم أنّهم كلّهم مقلّدة) في اصول الدين (بل لا يمتنع أن يكونوا عالمين بالدليل على سبيل الجملة) ، أي : بالدليل الإجمالي ، فيكونوا من أصحاب الجملة ، الذين يعلمون الحق عن طريق دليل إجمالي ، مع عدم قدرتهم على إيراده بحسب الاصطلاحات المقرّرة عند أهلها ، كغالب العوام وأهل الأسواق ، ولا يحكم العلماء بأنّهم مقلّدة ، بل يقولون أنّهم يعلمون اصول دينهم بالدليل الإجمالي.
قوله : (وليس من يتعذّر عليهم إيراد الحجج ينبغي أن يكونوا غير عالمين) دفع لما يتوهّم من أنّ الأخباريين مقلّدون ؛ لأنّهم لو لم يكونوا كذلك لكانوا مستدلّين بالبراهين والحجج ، فدفع هذا التوهّم.
وحاصل الدفع : إنّهم ليسوا من المقلّدة ، وعدم استدلالهم بالبراهين والحجج ، كان لأجل عدم تمكنهم على إقامة البرهان بالطريق الفني الفلسفي ، فلا يكون دليلا على أنّهم غير عالمين.
ولا يجب أن يكون حصول المعرفة باصول الدين عن طريق الفن الخاص ، بل الواجب هو المعرفة باصول الدين ولو بالدليل الإجمالي البسيط ، كقول الأعرابي : «البعرة تدل على البعير ، وآثار القدم تدل على المسير» ، فهم كأصحاب الجملة يكونون عالمين لا مقلّدين.
قوله : (وليس لأحد أن يقول : هؤلاء ليسوا من أصحاب الجملة) دفع لما يمكن أن يقال :