ثمّ ذكر الجوابين ، وحاصل أحدهما : كفاية الوثاقة في العمل بالخبر ، ولهذا قبل خبر ابن بكير وبني فضّال وبني سماعة ، وحاصل الثاني : أنّا لا نعمل بروايتهم إلّا إذا انضمّ إليها رواية غيرهم ، ومثل الجواب الأخير ذكر في رواية الغلاة ومن هو متّهم في نقله.
وذكر الجوابين أيضا في روايات المجبّرة والمشبّهة ، بعد منع كونهم مجبّرة ومشبّهة ، لأنّ روايتهم لأخبار الجبر والتشبيه لا تدلّ على ذهابهم إليه. ثمّ قال :
«فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون الذين أشرتم إليهم لم يعملوا بهذه الأخبار لمجرّدها ، بل إنّما عملوا بها لقرائن اقترنت بها دلّتهم على صحّتها ولأجلها عملوا بها ، ولو تجرّدت لما عملوا بها ، وإذا جاز ذلك لم يمكن الاعتماد على عملهم بها.
____________________________________
الوجه الأوّل : هو كفاية وثاقة الراوي في جواز العمل بالخبر وحجّيته من دون أن تكون عدالته شرطا في الحجّية. والشاهد عليه هو قبول أخبار بني فضّال من العامّة ، وبني سماعة من الواقفية.
والوجه الثاني : هو عدم جواز العمل بأخبارهم ما لم تنضمّ إليها رواية غيرهم ممّن يكون عادلا ، وذكر الوجه الثاني في رواية الغلاة ومن هو متّهم بالكذب في نقله ، ثمّ يجري كلا الجوابين في روايات المجبّرة والمشبّهة ، هذا مع أنّ نقل رواية الجبر والتشبيه لا يدل على فساد عقيدة الناقل ؛ لأن مجرّد نقل رواية الجبر والتشبيه لم يكن دليلا على كون الناقل من المجبّرة أو المشبّهة.
(فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون الذين أشرتم إليهم لم يعملوا بهذه الأخبار لمجرّدها ، بل إنّما عملوا بها لقرائن).
وملخّص الإيراد : إنّكم لستم بمنكرين على أن يكون الذين أشرتم إليهم ، وهم الفرقة المحقّة ، لم يعملوا بهذه الأخبار مجرّدة عن القرينة ، كما هو محل الكلام ، بل عملوا بها لقرائن.
فلو كانت مجرّدة عنها لما عملوا بها ، ولا أقل نحتمل أن يكون عملهم بها من أجل اقترانها بالقرينة ، فإذا جاء هذا الاحتمال بطل الاستدلال ، فلا يصح الاستدلال بعملهم على حجّيتها ، إذ الاستدلال يصح فيما إذا علم أنّ عملهم بها لم يكن لأجل القرينة ، ومع عدم العلم بذلك لا يجوز الاعتماد على عملهم بها.