____________________________________
واعلم أنّ هذه الامور الأربعة لم ترد في لسان آية أو رواية أو معقد إجماع وإنّما هي مجرد اصطلاحات دائرة في ألسنة الاصوليين ، ولذلك لا بدّ من بيان معانيها فنقول :
إن الحكومة : عبارة عن كون دليل ناظرا إلى دليل آخر ، ومفسّرا لمضمونه سواء كان ناظرا إلى عقد وضعه ـ أي : موضوعه ـ أو إلى عقد حمله ـ أي : محموله ـ وسواء كان مضيّقا لدائرة دليل المحكوم ، أو موسّعا لها ، ويسمّى الدليل الناظر حاكما ، والمنظور إليه محكوما.
فصور الحكومة باعتبار عقد الوضع والحمل والتضييق والتوسيع أربعة ، ولا بدّ من ذكر مثال لكل قسم :
الأول : مثال ما إذا كان الدليل الحاكم مضيّقا لدائرة الدليل المحكوم هو : ما ورد في بيان أحكام الشك في الصلاة من قوله عليهالسلام : (إذا شككت بين الثلاث والأربع فابن على الأربع ، ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط) (١) ثم ورد : (لا شك للمأموم مع حفظ الإمام) (٢) فحينئذ إذا شك المأموم بين الثلاث والأربع ، وكان الإمام حافظا للثلاث كان هذا الدليل الثاني حاكما على الدليل الأول حيث يكون الدليل الحاكم ـ وهو الدليل الثاني ـ نافيا لموضوع الدليل المحكوم تعبّدا لا وجدانا ، وذلك لأنّه ينفي حكم الشك عن شك المأموم بلسان نفي الموضوع ، ويبين أنّه ليس له البناء على الأكثر وهو الأربع ، ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط ، فيكون الدليل الحاكم في هذا المثال مضيّقا لدائرة الدليل المحكوم ـ كما لا يخفى ـ حيث ينحصر موضوع الدليل الأول المحكوم بما إذا لم يكن الشك مع حفظ الإمام.
والثاني : مثال ما إذا كان الدليل الحاكم موسّعا لدائرة الدليل المحكوم ، كقوله عليهالسلام : (لا صلاة إلّا بطهور) (٣) الظاهر في الطهارة الواقعية ، ثمّ ورد ما يدل على كفاية الطهارة الظاهرية فيها ، فكان الدليل الثاني حاكما على الأول بنحو التوسعة ، كما لا يخفى.
والثالث : مثال ما إذا كان الدليل الحاكم ناظرا إلى محمول الدليل المحكوم بنحو التضييق ، فهو كقول المولى لعبده أولا : إكرام العلماء واجب ، ثمّ قال ثانيا : كل ما ينفعهم
__________________
(١) انظر الوسائل ٨ : ٢١٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٠ ، ح ١.
(٢) انظر الوسائل ٨ : ٢٤٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٤ ، ح ٨.
(٣) التهذيب ١ : ٥٠ / ١٤٤. الاستبصار ١ : ٥٥ / ١٦٠. الوسائل ١ : ٣٦٥ ، أبواب الوضوء ، ب ١ ، ح ١.