ومن هنا كان إطلاق التقديم والترجيح في المقام تسامحا ، لأنّ الترجيح فرع المعارضة ، وكذلك إطلاق الخاصّ على الدليل والعامّ على الأصل فيقال : يخصّص الأصل بالدليل ، أو يخرج عن الأصل بالدليل.
ويمكن أن يكون هذا الإطلاق على الحقيقة بالنسبة إلى الأدلّة غير العلميّة.
بأن يقال : إنّ مؤدّى أصل البراءة ـ مثلا ـ أنّه إذا لم يعلم حرمة شرب التتن فهو غير محرّم ، وهذا عامّ ، ومفاد الدليل الدالّ على اعتبار تلك الأمارة غير العلميّة المقابلة للأصل أنّه إذا قامت تلك الأمارة غير العلميّة على حرمة الشيء الفلاني فهو حرام ، وهذا أخصّ من
____________________________________
الدليل هو نفس التتن على نحو الماهية بشرط لا ، فيباين موضوع الأصل ، وهو الماهية بشرط شيء ـ كما لا يخفى ـ فيتعدّد موضوعهما.
وأمّا على فرض كون الموضوع في جانب الدليل هو التتن ، أو شربه على نحو الماهية لا بشرط ، كان عدم المعارضة بينهما من جهة واحدة وهي انتفاء الأصل بالدليل ، وإلّا فالموضوع متّحد ، لعدم التنافي بين الشيء لا بشرط ، وبينه بشرط شيء ، لأنّ اللّابشرط يجتمع مع الشرط.
فمعنى عبارة المصنّف قدسسره حينئذ (فلا معارضة بينهما لا لعدم اتّحاد الموضوع) لأنّ الموضوع متّحد(بل لارتفاع موضوع الأصل) كما هو ظاهر كلامه قدسسره.
(ومن هنا كان إطلاق التقديم والترجيح في المقام تسامحا).
أي : إن التعبير بتقديم دليل على آخر يصح على نحو الحقيقة فيما إذا كان التعارض بينهما ثابتا ، فيقال : إنّ تقديم أحدهما على الآخر يكون بالترجيح ، وأمّا إذا لم يكن التعارض متحققا ، كما إذا كان أحدهما واردا على الآخر ، فكان إطلاق التقديم للوارد على المورود من باب التسامح والمجاز لا من باب الحقيقة ، والمقام من هذا القبيل.
وكذلك يكون إطلاق الخاص على الدليل ، والعام على الأصل من باب التسامح أيضا.
وأمّا المورد الثاني فقد أشار إليه قدسسره بقوله :
(ويمكن أن يكون هذا الإطلاق على الحقيقة بالنسبة إلى الأدلة غير العلميّة).
وكان عليه أن يزيد كلمة بالقياس إلى الاصول غير العقلية حتى يرجع المعنى إلى أنّ الأدلة الظنية تبقى على كونها واردة على الاصول العقلية ، كما سيأتي في كلامه قدسسره ، كما أنّ