لكنّ الانصاف أنّ غاية الأمر أن يكون في العدول عن التعبير بعدم الوجود إلى عدم الوجدان إشارة إلى المطلب. وأمّا الدّلالة فلا ، ولذا قال في الوافية : «وفي الآية إشعار بأنّ إباحة الأشياء مركوزة في العقل قبل الشرع». مع أنّه لو سلّم دلالتها ، فغاية مدلولها كون عدم وجدان التحريم فيما صدر عن الله تعالى من الأحكام يوجب عدم التحريم ، لا عدم وجدانه فيما بقي بأيدينا من أحكام الله تعالى بعد العلم باختفاء كثير منها عنّا ، وسيأتي توضيح ذلك عند الاستدلال بالإجماع العملي على هذا المطلب.
ومنها : قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)(١).
يعني مع خلوّ ما فصّل عن ذكر هذا الذي يجتنبونه.
____________________________________
ويكون مفادها كفاية عدم وجدان الحرمة في الحكم بالحليّة وهو معنى البراءة.
وبالجملة ، إنّ المستفاد منها هي القاعدة الكليّة ، وهي الحكم بالحليّة في ما شك في حرمته ولم يوجد في الشرع تحريمه.
ثمّ إنّ المتحصّل من كلام المصنّف قدسسره هو عدم دلالة الآية على البراءة بالصراحة ، بل فيها إشارة إلى المطلب ، لأنّها إرشاد إلى حكم العقل بإباحة الأشياء قبل الشرع ، فتكون تأكيدا لما حكم به العقل ، فتأمّل تعرف.
(مع أنّه لو سلّم دلالتها فغاية مدلولها) هو أنّ عدم وجدان التحريم في جميع ما صدر عن الله تعالى من الأحكام يوجب عدم التحريم لا عدم وجدانه في ما في أيدينا من الأحكام ، فلا يدل عدم الوجدان على عدم التحريم ، مع العلم باختفاء كثير من الأحكام عنّا.
(ومنها : قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) ... إلى آخره).
وتقريب الاستدلال بهذه الآية هو : إنّ الله قد ذمّ الذين يجتنبون أكل ما لم يكن من المحرّمات التي فصّل لهم ، فجعل عدم كونه ممّا فصّل تحريمه دليلا على الحليّة مع
__________________
(١) الأنعام : ١١٩.