وهذه الآيات بعد تسليم دلالتها غير معارضة لذلك الدليل ، بل هي من قبيل الأصل بالنسبة إليه ، كما لا يخفى.
ومنها : قوله تعالى مخاطبا لنبيّه صلىاللهعليهوآله ، ملقّنا إيّاه طريق الردّ على اليهود ، حيث حرّموا بعض ما رزقهم الله تعالى افتراء عليه : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً)(١) فأبطل تشريعهم بعدم وجدان ما حرّموه في جملة المحرّمات التي أوحى الله إليه ، وعدم وجدانه صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك فيما اوحي إليه وإن كان دليلا قطعيّا على عدم الوجود ، إلّا إنّ في التعبير بعدم الوجدان دلالة على كفاية عدم الوجدان في إبطال الحكم بالحرمة.
____________________________________
ظاهريا ـ عند عدم البيان الواصل إلى المكلّف ، فيكون موضوعها عدم البيان ، ثمّ إنّ ما دلّ على وجوب الاحتياط في مورد الشبهة عن محتمل الحرمة يكون بيانا يرتفع به موضوعها ، فلا تكون الآيات معارضة لأدلّة الاحتياط ، بل تكون كالأصل بالنسبة إلى الدليل ، ومن المعلوم أنّ الأصل لا يعارض الدليل بل الدليل وارد عليه.
ومن المعلوم أنّ القائل بوجوب الاحتياط لا يقول به إلّا عن دليل ، ويكون هذا الدليل واردا على الآيات ، ومقدما عليها بالورود أو الحكومة ، إلّا أن يقال : إنّ موضوع الآيات هو عدم العلم بالحكم الواقعي ، وكذلك موضوع أدلة الاحتياط فتكون معارضة لها.
(ومنها : قوله تعالى مخاطبا لنبيّه صلىاللهعليهوآله ، ملقّنا إيّاه طريق الردّ على اليهود حيث حرّموا بعض ما رزقهم الله تعالى افتراء عليه : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً)).
ودلالة هذه الآية على البراءة تتوقف على أن يكون عدم الوجدان دليلا على عدم الوجود واقعا ، فحينئذ تكون دلالتها على البراءة واضحة حيث جعل تبارك وتعالى عدم وجدان الحرمة في ما أوحى إلى نبيّه صلىاللهعليهوآله دليلا على الحليّة ، وبهذا قد ردّ اليهود القائلين بالحرمة مع عدم وجدان الدليل على الحرمة فتدل على توبيخهم.
__________________
(١) الأنعام : ١٤٥.