ومنه يعلم أنّه لو كان الشك في مقدار العدّة فهي شبهة حكمية قصّر في السؤال عنها وليس معذورا فيها اتّفاقا لأصالة بقاء العدّة وأحكامها ، بل في رواية اخرى أنّه :
(إذا علمت أنّ عليها العدّة لزمتها الحجّة) (١) فالمراد من المعذوريّة عدم حرمتها عليه
____________________________________
الحكم الوضعي ، فحينئذ تكون الرواية أجنبية عن المقام حيث تدلّ على كون الجاهل معذورا في الحكم الوضعي.
ويمكن تقريب الإشكال على الاستدلال بهذه الرواية على البراءة بوجه آخر كما يظهر من المتن ، والإشكال بهذا الوجه ـ أيضا ـ يحتاج إلى مقدمة ، وهي :
إنّ محلّ النزاع في مسألة البراءة هي الشبهة الحكميّة دون الموضوعيّة ، ثم إنّ مورد الرواية يمكن أن تكون الشبهة فيه موضوعيّة فيكون خارجا عمّا نحن فيه ، ويمكن أن تكون الشبهة فيه حكميّة ، ولكن مع ذلك لم تكن دلالتها على البراءة تامة ، وتفصيل ذلك : إنّ الجهل بالعدّة يتصوّر على أقسام :
منها : أن يعلم تشريع العدّة في الشرع ومدّتها ، ويشك في أصل انقضاء العدّة ، ومن المعلوم أن الشبهة ـ حينئذ ـ تكون موضوعيّة ، فيكون هذا القسم خارجا عن المقام ، وقد أشار إليه بقوله : (فإن كان الشك في أصل الانقضاء مع العلم بمقدارها).
ومنها : أن يعلم تشريع العدّة ، ويعلم كون هذه المرأة في العدّة ، إلّا إنّه لا يعلم مقدار العدّة في الشرع ، هل هي شهران أو ثلاثة أشهر؟ فالشبهة ـ حينئذ ـ وإن كانت حكمية إلّا إنّه ليس معذورا لوجود استصحاب بقاء العدّة وأحكامها ، كما (في رواية اخرى أنه : (إذا علمت أنّ عليها العدّة لزمتها الحجّة)) أي : انقطع عذرها.
والحاصل : إن الرواية لا تدل على البراءة ، وقد أشار إليه بقوله : (ومنه يعلم ... إلى آخره).
ومنها : أن لا يعلم أصل تشريع العدّة في الشرع ، والشبهة ـ حينئذ ـ وإن كانت حكميّة كالقسم الثاني إلّا إنّ الجاهل لا يكون معذورا لوجهين :
أحدهما : وجوب الفحص عليه ، إذ البراءة لا تجري قبل الفحص.
وثانيهما : أصالة عدم تأثير العقد ، فيحكم بفساده.
__________________
(١) الكافي ٧ : ١٩٣ / ٢. الوسائل ٢٨ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ، أبواب حدّ الزنا ، ب ٢٧ ، ح ٣.