ولم يلزم الاحتياط مع ورود الأخبار بوجوب الاحتياط فيما تعارض فيه النصّان وما لم يرد فيه نصّ بوجوبه ، في خصوص ما لا نصّ فيه ، فالظاهر أنّ كلّ من قال بعدم وجوب الاحتياط هناك قال به هنا.
ومنهم الصدوق رحمهالله ، فإنّه قال : «اعتقادنا أنّ الأشياء على الإباحة حتى يرد النهي». ويظهر من هذا موافقة والده ومشايخه ؛ لأنّه لا يعبّر بمثل هذه العبارة مع مخالفته لهم ، بل ربّما يقول : «الذي اعتقده وافتي به» ، واستظهر من عبارته هذه أنّه من دين الإماميّة.
وأمّا السيّدان فقد صرّحا باستقلال العقل بإباحة ما لا طريق إلى كونه مفسدة ، وصرّحا ـ أيضا ـ في مسألة العمل بخبر الواحد أنّه متى فرضنا عدم الدليل على حكم الواقعة رجعنا فيها إلى حكم العقل.
وأمّا الشيخ قدسسره فإنّه وإن ذهب وفاقا لشيخه المفيد رحمهالله إلى أنّ الأصل في الأشياء من طريق العقل الوقف ، إلّا أنّه صرّح في العدّة ب «أنّ حكم الأشياء من طريق العقل وإن كان هو الوقف لكنّه لا يمتنع أن يدل دليل سمعي على أنّ الأشياء على الإباحة بعد أن كانت على الوقف ، بل عندنا الأمر كذلك وإليه نذهب» ، انتهى.
____________________________________
فإذا لم يقل بوجوب الاحتياط في باب التعارض مع وجود النصّ فيه على الاحتياط ، لم يقل بوجوبه فيما لا نصّ فيه ـ كالمقام ـ بطريق أولى وذلك لعدم ورود النصّ الدال على وجوب الاحتياط فيه ، وإنّما ورد النصّ بوجوب الاحتياط في مطلق الشبهة وفي خصوص باب التعارض.
(ومنهم الصدوق رحمهالله فإنّه قال : «اعتقادنا أنّ الأشياء على الإباحة حتى يرد النهي»).
وتعبيره باعتقادنا ظاهر في الاتفاق وموافقة الآخرين معه ، فكان يعلم بالموافقة ، وإلّا كان الصحيح أن يقول : اعتقادي بدل اعتقادنا ، بل هذا التعبير في مقابل العامّة ظاهر في أنّ كون الأشياء على الإباحة من مذهب الإماميّة.
(وأمّا السيّدان فقد صرّحا باستقلال العقل بإباحة ما لا طريق إلى كونه مفسدة).
ومن المعلوم أنّ شرب التتن ممّا لا طريق على كونه ذا مفسدة فيحكم بإباحته.
(وأمّا الشيخ قدسسره) فقد قال في العدّة : بـ (أنّ حكم الأشياء) قبل الشرع (من طريق العقل وإن كان هو الوقف ، لكنّه لا يمتنع أن يدل دليل سمعي على أنّ الأشياء على الإباحة