على الشهادة والفتوى.
وفيه ـ مضافا إلى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة ـ : إنّ الإقدام على مقتضى قول الوليد
____________________________________
للواقع ... إلى آخره) والغرض من هذا الكلام هو دفع الإشكال على المفهوم بعموم التعليل بوجه آخر ، فيكون جوابا ثانيا عن الإشكال المذكور.
وحاصله : إنّ الجهالة المذكورة في الآية وإن كانت ظاهرة بمعنى عدم العلم ؛ لأنّها من الجهل المقابل للعلم إلّا أنّها في الآية لم تكن بمعنى الجهل ، بل تكون بمعنى السفاهة ، وهي فعل ما لا يجوز فعله عند العقلاء.
فيرجع مفاد الآية إلى أنّ العمل بخبر الفاسق من دون تبيّن يكون من أفعال السفهاء ، فيجب التبيّن فيه لئلّا يكون العمل به عن سفاهة ، فيكون المفهوم : إنّ العمل بخبر العادل لا يعدّ عند العقلاء عملا عن السفاهة وإن لم يتبيّن أصلا ، فيكون حجّة من دون التبيّن بمقتضى المفهوم.
والشاهد على كون المراد من الجهالة هو السفاهة ـ أولا ـ هو قوله تعالى : (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) ؛ لأنّ الوقوع في الندم يكون في العمل عن سفاهة لا في العمل عن جهل ، فإنّ أعمال الناس يوميا تكون أكثرها عن جهل ولا ندامة فيها.
فالتعليل لا يشمل خبر العادل ؛ لأنّ العمل بخبر العادل لا يكون سفاهة فيرتفع التعارض والتنافي بين المفهوم والتعليل.
والشاهد الثاني على أنّ المراد من الجهالة هو السفاهة ، ما أشار إليه بقوله :
(ولو كان المراد الغلط في الاعتقاد لما جاز الاعتماد على الشهادة والفتوى) ، أي : لو كان المراد من الجهالة عدم العلم لكان مقتضى التعليل هو المنع عن العمل بكل ما لا يفيد العلم.
فحينئذ لا يجوز الاعتماد على الشهادة والفتوى ؛ لأنّ الشهادة لا تفيد العلم للحاكم ، كما أنّ الفتوى لا توجب العلم للمقلّد ، فيلزم كونهما غير حجّتين مع إنّهما حجّتان إجماعا ، فنكشف أنّ الجهالة تكون بمعنى السفاهة ، لأنّ العمل بهما لا يكون سفاهة ، فيكون كل واحدة منهما حجّة.
نعم ، يكون المراد من التبيّن ما هو الظاهر فيه من تحصيل العلم.