لم يكن سفاهة قطعا ، إذ العاقل ، بل جماعة من العقلاء لا يقدمون على الامور من دون وثوق بخبر المخبر بها ، فالآية تدلّ على المنع عن العمل بغير العلم ، لعلّة هي كونه في معرض المخالفة للواقع.
وأمّا جواز الاعتماد على الفتوى والشهادة فلا يجوز القياس بها ، لما تقدّم في توجيه كلام ابن قبة ، من أنّ الإقدام على ما فيه مخالفة الواقع أحيانا قد يحسن لأجل الاضطرار إليه وعدم وجود الأقرب إلى الواقع منه كما في الفتوى ، وقد يكون لأجل مصلحة تزيد على مصلحة إدراك الواقع ، فراجع.
____________________________________
(وفيه ـ مضافا إلى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة ـ : إن الإقدام على مقتضى قول الوليد لم يكن سفاهة قطعا ... إلى آخره) وقد أجاب المصنّف رحمهالله عن هذا الوجه.
أولا : بأنّ حمل الجهالة على السفاهة يكون من حمل اللفظ على خلاف ظاهره ؛ لأنّ ظاهر لفظ الجهالة هو عدم العلم لا السفاهة ، مضافا إلى أنّ حمل اللفظ على خلاف الظاهر لا يصح إلّا بقرينة ، وهي منتفية.
وأجاب ثانيا بما حاصله : إنّ التعليل لو دل على المنع عن العمل بالخبر بملاك كونه سفهيا ، فلا يدل على المنع عن العمل بخبر الفاسق المفيد للوثوق الذي لم يكن العمل به سفهيا ، فيختصّ وجوب التبيّن بقسم من خبر الفاسق الذي لا يفيد الوثوق فيكون العمل به سفهيا ، فيكون الدليل أخصّ من المدّعى ، إذ المدّعى هو عدم حجّية خبر الفاسق مطلقا ، ولا يمكن الاستدلال بنفي حجّية الخاص على نفي حجّية العام.
ثمّ إنّ الشاهد على أنّ العمل بخبر الفاسق مطلقا لا يكون سفهيا ، هو إقدام النبي صلىاللهعليهوآله على مقتضى قول الوليد ، كما ورد في شأن نزول الآية ، أن النبي صلىاللهعليهوآله همّ وقصد أن يغزو بني المصطلق فنزلت الآية الشريفة.
فلا يصح ـ حينئذ ـ حمل الجهالة على السفاهة ، فيكون المراد منها عدم العلم ، فيبقى إشكال التعارض بين المفهوم والتعليل على حاله ؛ لأنّ التعليل يدل على منع العمل بغير العلم عادلا كان المخبر أو فاسقا.
قوله : (وأمّا جواز الاعتماد على الفتوى والشهادة ، فلا يجوز القياس ... إلى آخره) دفع لما تقدّم من الإشكال الوارد على الفتوى والشهادة ، على تقدير أن يكون المراد من الجهالة