فالأولى لمن يريد التفصّي عن هذا الإيراد التشبّث بما ذكرنا ، من أنّ المراد بالتبيّن تحصيل الاطمئنان ، وبالجهالة الشكّ أو الظنّ الابتدائي الزائل بعد الدقة والتأمّل ، فتأمّل.
ففيها إرشاد إلى عدم جواز مقايسة الفاسق بغيره وإن حصل منه الاطمئنان ؛ لأنّ الاطمئنان الحاصل من الفاسق يزول بالالتفات إلى فسقه وعدم مبالاته بالمعصية وإن كان
____________________________________
عدم العلم ؛ إذ التعليل يدل على عدم اعتبارهما ـ أيضا ـ لعدم كونهما مفيدين للعلم مع أنّهما ممّا لا شكّ في اعتبارهما ، فيمكن أن يقال : باعتبار خبر العادل ـ أيضا ـ قياسا عليهما.
وأجاب المصنّف رحمهالله بما حاصله : إنّه لا يجوز قياس خبر العادل بهما ؛ لأنّهما قد خرجتا عمّا دلّ على المنع ، ومنه عموم التعليل بما دلّ على اعتبارهما ، فقد خصّص عموم التعليل بما دل على اعتبارهما ، وهذا بخلاف خبر العادل المستفاد اعتباره من المفهوم الذي يكون مع عموم التعليل في كلام واحد ، فلا يجوز تخصيص عموم التعليل به كما تقدم ، بل الأمر بالعكس ، أي : عموم التعليل يكون قرينة على عدم ثبوت المفهوم من الأول.
ثمّ إنّ ما ذكر في شرح هذا الكلام يكون أنسب بالمقام ممّا ذكره الاعتمادي ـ دام عزّه الشريف ـ فراجع.
(فالاولى لمن يريد التفصّي عن هذا الإيراد التشبّث بما ذكرنا ... إلى آخره).
يقول المصنّف رحمهالله : من يريد التفصّي عن الإشكال الثاني ، وهو تعارض المفهوم والتعليل ، فله أن يتمسّك بما ذكرنا من أنّ المراد بالتبيّن هو تحصيل الاطمئنان ، وبالجهالة الشكّ أو الظنّ الابتدائي الزائل بعد الدقة ، فالتعليل لا يشمل خبر العادل ؛ لأنّه يوجب الاطمئنان ، فيرتفع التعارض بين المفهوم والتعليل.
(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى ما تقدّم من أنّه إذا كان المراد بالتبيّن تحصيل الاطمئنان ، لكان اعتبار خبر العادل بالمنطوق من دون حاجة إلى المفهوم.
قوله : (ففيها إرشاد إلى عدم جواز مقايسة الفاسق بغيره ... إلى آخره) دفع لما يمكن أن يرد من الإشكال ، وملخّصه : إنّه إذا كان التبيّن بمعنى الاطمئنان ، والجهالة بمعنى عدم الاطمئنان ؛ لما صحّ الأمر بالتبيّن في مطلق خبر الفاسق ؛ لأنّ خبر الفاسق قد يوجب الاطمئنان ، ومقتضى الآية هو جواز العمل بكل خبر يوجب الاطمئنان ، فاسقا كان المخبر أم عادلا ، فلا وجه بالتبيّن في خبر الفاسق على نحو المطلق.