____________________________________
ومن المعلوم أنّ احتمال العقاب الاخروي يكشف على نحو كشف اللازم المساوي عن وجود الملزوم ، وهو وجوب الاحتياط في مرحلة الظاهر بعد ضمّ حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان وحكم الشرع برفع المؤاخذة عمّا لم يبيّنه الشارع أصلا لا واقعا ولا ظاهرا ، فلا بدّ من الالتزام ـ حينئذ ـ بوجوب الاحتياط في محتمل الحرمة شرعا في الظاهر ، وذلك لعدم صلاحيّة كون الطلب المستفاد من هذه الأخبار من جهة كونه إرشاديّا مترتّبا على احتمال العقاب بيانا للواقع ، بل الطلب المستكشف بالأخبار المذكورة الذي يتعلّق بمحتمل الحرمة يكون بيانا للواقع على تقدير ثبوته في نفس الأمر.
فهذه الأخبار تدل بالمطابقة على وجوب التوقّف إرشادا إلى النجاة من العقاب المحتمل ، فتكون موجبة لإحداث الحكم ، وبالتضمّن على ثبوت احتمال العقاب في كل شبهة ، وهذا هو الموضوع ، فتكون موجبة لإحداث الاحتمال أيضا ، وبالالتزام على إيجاب الشارع الاحتياط في كل شبهة ، حيث اكتفى الشارع عن بيان الملزوم وهو وجوب الاحتياط في مرحلة الظاهر ببيان لازمه وهو احتمال العقاب في كل شبهة ، وهذا هو المطلوب عند الأخباري من هذه الأخبار.
وبعبارة اخرى : إنّ مفاد هذه الأخبار بمقتضى كون لفظ (الخير) فيها للتعيين لا للتفصيل ، هو وجوب التوقّف في مورد احتمال التهلكة الظاهرة في العقاب الاخروي ، وهذا الاحتمال موجود في كل شبهة ، حتى في الشبهة البدوية ، ومن هنا يكشف عدم سقوط العقاب في الشبهة البدوية.
ثمّ إنّ عدم سقوط العقاب في الشبهة البدوية لمّا كان مخالفا لما حكم به العقل من قبح العقاب من غير بيان ، فلا بدّ من الالتزام بأنّ الشارع قد أوجب الاحتياط في الشبهة البدوية ولم يقتصر في العقاب على التكليف المختفي حتى يلزم القبح العقلي.
والحاصل أنّ الأمر بالتوقّف يكون بيانا للواقع بجعل الحكم الظاهري فيكون مانعا عن جريان قبح العقاب من دون بيان ، وبذلك يكون استدلال الأخباريين على وجوب الاحتياط بهذه الأخبار صحيحا.
وهذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب قوله قدسسره : فإن قلت.