وجهان : من ظاهر الأمر بعد فرض عدم إرادة الوجوب ، ومن سياق جلّ الأخبار الواردة في ذلك ، فإنّ الظاهر كونها مؤكّدة لحكم العقل بالاحتياط. والظاهر أنّ حكم العقل بالاحتياط ـ من حيث هو احتياط على تقدير كونه إلزاميّا ـ لمحض الاطمئنان ودفع احتمال العقاب.
وكما أنّه إذا تيقن بالضرر يكون إلزام العقل لمحض الفرار عن العقاب المتيقّن ، فكذلك طلبه الغير الإلزامي إذا احتمل الضرر ، بل وكما أنّ أمر الشارع بالإطاعة في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ)(١) لمحض الإرشاد ، لئلّا يقع العبد في عقاب المعصية ويفوته ثواب
____________________________________
أما الأوّل : وهو رجحان الاحتياط ؛ أمّا بحسب العقل ، فهو من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى مزيد بيان ؛ لأنّ العقل دائما يحكم بحسن إتيان ما يحتمل أن يكون مطلوبا للمولى ، وترك ما يحتمل أن يكون مبغوضا له ، وأمّا رجحانه بحسب الشرع فللأخبار الواردة في باب الاحتياط التي استدل بها الأخباريّون على وجوب الاحتياط.
وأما الثاني : ففيه وجهان :
الوجه الأوّل : وهو كون الأمر مولويّا ، فقد أشار إليه المصنّف رحمهالله بقوله : (من ظاهر الأمر) هو كونه مولويّا كما أنّه ظاهر في الوجوب إلّا إنّه ليس ظاهرا في الوجوب فيما نحن فيه لما سيأتي.
والوجه الثاني : هو كونه للإرشاد ، وقد أشار إليه المصنّف رحمهالله بقوله : (ومن سياق جلّ الأخبار الواردة) في هذا الباب.
فإنّ الظاهر منها كون الأمر المتعلّق بالاحتياط للإرشاد ، وهو مختار المصنّف قدسسره ولتوضيح مختاره قدسسره نقدّم مقدمة في بيان الفرق بين الأمر المولوي والإرشادي فنقول :
إنّ الثواب والعقاب في الأمر المولوي معلول لمخالفة ذلك الأمر أو موافقته ، ففي مخالفته عقاب وفي موافقته ثواب بخلاف الأمر الإرشادي فإنّه لا يكون في مخالفته عقاب ولا في موافقته ثواب ، بل هو إرشاد إلى مصلحة في الفعل ، أو إلى مفسدة في تركه كأوامر الطبيب للمريض بشرب الدواء ، حيث يرى الطبيب أنّ مصلحة المريض في شرب الدواء
__________________
(١) الأنفال : ١.