الطاعة ولا يترتّب على مخالفته سوى ذلك ، فكذلك أمره بالأخذ بما يأمن معه الضرر لا يترتّب على موافقته سوى الأمان المذكور ، ولا على مخالفته سوى الوقوع في الحرام الواقعي على تقدير تحقّقه.
ويشهد لما ذكرنا أنّ ظاهر الأخبار حصر حكمة الاجتناب عن الشبهة في التفصّي عن الهلكة الواقعيّة لئلّا يقع فيها من حيث لا يعلم ، واقترانه مع الاجتناب عن الحرام المعلوم في كونه ورعا ، ومن المعلوم أنّ الأمر باجتناب المحرّمات في هذه الأخبار ليس إلّا للإرشاد ، لا يترتّب على مخالفتها وموافقتها سوى الخاصيّة الموجودة في المأمور به وهو الاجتناب عن الحرام أو فوتها ، فكذلك الأمر باجتناب الشبهة لا يترتّب على موافقته سوى ما يترتّب على نفس الاجتناب لو لم يأمر به الشارع ، بل فعله المكلّف حذرا من الوقوع في الحرام.
____________________________________
فيأمره بشربه ، فلا يترتّب على أمره بشرب الدواء سوى ما في الدواء من الخاصيّة عند الشرب وفوت الخاصيّة عند عدم الشرب.
إذا عرفت هذا فقد اتّضح لك أنّ الأوامر الشرعيّة المتعلّقة بالاحتياط تكون من قبيل أوامر الطبيب إرشاديّة ، وذلك لوجهين :
أحدهما : ما أشار إليه المصنّف رحمهالله بقوله :
(إنّ ظاهر الأخبار حصر حكمة الاجتناب عن الشبهة في التفصّي عن الهلاكة الواقعيّة لئلّا يقع فيها من حيث لا يعلم).
وحاصله : إنّ غالب الأوامر المتعلّقة بالاجتناب عن الشبهات قد علّلت بأنّ في الاجتناب عنها تخلّص عن الهلاكة وعن الوقوع في المحرّمات الواقعيّة المجهولة ، فلا يترتّب عليها سوى ما يترتّب على ارتكاب الحرام الواقعي من الهلاك والعقاب على تقدير كون المشتبه حراما في الواقع ، وهذا هو نفس ملاك الأوامر الإرشاديّة ، كما لا يخفى.
وثانيهما : ما أشار إليه قدسسره بقوله :
(واقترانه مع الاجتناب عن الحرام المعلوم في كونه ورعا).
أي : يشهد لما ذكرنا من كون هذه الأوامر للإرشاد اقتران الاجتناب عن الشبهات مع الاجتناب عن الحرام المعلوم في كونه ورعا ، كما تقدّم في رواية فضيل بن عيّاض ، حيث قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : من الورع من الناس؟ قال عليهالسلام : (الذي يتورّع عن محارم الله)