فإن قيل : نختار أوّلا : احتمال الضرر المتعلّق بامور الآخرة ، والعقل لا يدفع ترتّبه من دون بيان ، لاحتمال المصلحة في عدم البيان ، ووكول الأمر إلى ما يقتضيه العقل ، كما صرّح في العدّة في جواب ما ذكره القائلون بأصالة الإباحة ، من أنّه لو كان هناك في الفعل مضرّة آجلة لبيّنها.
وثانيا : المضرّة الدنيويّة ، وتحريمه ثابت شرعا ، لقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(١) ، كما استدلّ به الشيخ ـ أيضا ـ في العدّة على دفع أصالة الإباحة. وهذا الدليل ومثله رافع للحليّة الثابتة بقولهم عليهمالسلام : (كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنّه حرام) (٢).
____________________________________
(فإن قيل : نختار أولا : احتمال الضرر المتعلّق بامور الآخرة ، والعقل لا يدفع ترتّبه من دون بيان ، لاحتمال المصلحة في عدم البيان ، ووكول الأمر إلى ما يقتضيه العقل).
وحاصل الكلام في هذا المقام هو أنّ المراد بالضرر هو العقاب إلّا إنّ العقل لا يحكم بقبح ترتّبه من دون بيان ، وذلك لاحتمال المصلحة في ترك البيان من الشارع ووكول الأمر إلى حكم العقل قبل الشرع لأن يحكم بالاحتياط دفعا للعقاب المحتمل ، فالنتيجة تكون جريان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل دون قاعدة قبح العقاب من دون بيان.
(وثانيا :) نختار(المضرّة الدنيوية ، وتحريمه ثابت شرعا ، لقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ... إلى آخره).
وملخص الكلام إنّا نختار الضرر الدنيوي ، فنقول : إنّ المراد من الضرر هو الضرر الدنيوي ، إلّا إنّ ما ذكر من جواز ارتكابه غير صحيح لثبوت تحريمه بقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فتكون الآية الشريفة وأمثالها من الأدلّة الرافعة(للحليّة الثابتة بقولهم عليهمالسلام : (كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنّه حرام)) لأنّ حكم الشرع بالحليّة في روايات الحلّ مغيّا بمعرفة الحرام والعلم به ، ومع حكم الشرع بحرمة ارتكاب الضرر الدنيوي ولو كان محتملا تعلم الحرمة ولو في مرحلة الظاهر ، فيكون ما دلّ على حرمة ارتكاب الضرر الدنيوي من الآية المذكورة وغيرها حاكما على روايات الحلّ إن لم يكن واردا عليها ، فتأمّل جيدا.
__________________
(١) البقرة : ١٩٥.
(٢) الكافي ٥ : ٣١٣ / ٤٠. التهذيب ٧ : ٢٢٦ / ٩٨٩. الوسائل ١٧ : ٨٩ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤ ، ح ٤.