الأوّل : أنّه لا يستفاد من الكلام إلّا مطلوبيّة الحذر عقيب الإنذار بما يتفقّهون في الجملة ، لكن ليس فيها إطلاق وجوب الحذر ، بل يمكن أن يتوقف وجوبه على حصول العلم ، فالمعنى : لعلّه يحصل لهم العلم فيحذروا. فالآية مسوقة لبيان مطلوبيّة الإنذار بما يتفقّهون ، ومطلوبيّة العمل من المنذرين بما انذروا ، وهذا لا ينافي اعتبار العلم في العمل ، ولهذا صحّ ذلك فيما يطلب من العلم ، فليس في هذه الآية تخصيص للأدلة الناهية عن العمل بما لم يعلم ؛ ولذا استشهد الإمام ـ فيما سمعت من الأخبار المتقدّمة ـ على وجوب النفر في معرفة الإمام عليهالسلام ، وإنذار النافرين للمتخلّفين ، مع أنّ الإمامة لا تثبت إلّا بالعلم.
____________________________________
إلّا مطلوبيّة الحذر عقيب الإنذار بما يتفقّهون في الجملة ... إلى آخره).
وقد بيّن المصنّف رحمهالله عدم جواز الاستدلال بالآية من وجوه ، ولم يتعرّض للجواب عنها ، وكان الاولى له أن يذكر الجواب عنها ؛ لأن دلالة هذه الآية على حجّية الخبر تكون أظهر وأتمّ من دلالة آية النبأ عليها. وحينئذ نذكر الجواب عن كل واحد منها بعد تقريبه.
أمّا تقريب الوجه الأول ، فحاصله أنّ الاستدلال بالآية يتوقف على أن يكون المستفاد منها وجوب الحذر عقيب الإنذار مطلقا ، سواء كان الإنذار مفيدا للعلم أم لا ، ولا يستفاد منها وجوب الحذر مطلقا ، بل تدل على مطلوبية الحذر في الجملة ، فيمكن أن تكون مختصة بصورة حصول العلم فقط ، وبذلك تكون الآية أجنبية عن المقام ، إذ أنّها مسوقة لبيان مطلوبية الإنذار بما يتفقّهون ، وكذا مطلوبية عمل المنذرين بما أنذروا.
(وهذا لا ينافي اعتبار العلم في العمل) ، أي : كون الآية لبيان مطلوبية الإنذار والحذر في الجملة لا ينافي اشتراط العلم في العمل بقول المنذرين ، ولهذا صحّ التمسّك بالآية فيما يعسر فيه العلم ، كمعرفة الإمام عليهالسلام في الأخبار المتقدمة ، ثمّ إنّ الآية ليست مخصّصة للآيات الناهية ، إذ لم تكن مخالفة لها ، إذ مفادها هو العمل بالعلم ، والآيات الناهية تمنع عن العمل بغير العلم ، فلا تنافي بينهما أصلا ، حتى تحمل الآيات الناهية عليها من باب حمل العام على الخاص ، وجعل الخاص مخصّصا للعام.
(ولذا استشهد الإمام ـ فيما سمعت من الأخبار المتقدّمة ـ على وجوب النّفر في معرفة الإمام عليهالسلام) لكون مفاد آية النّفر هو العمل بالعلم ، استشهد الإمام عليهالسلام بها على وجوب النّفر لمعرفة الإمام عليهالسلام ، ووجوب قبول المتخلّفين قول النافرين في مسألة الإمامة ، مع أنّ الإمامة