الثاني : إنّ التّفقّه الواجب ليس إلّا معرفة الامور الواقعيّة من الدين ، فالإنذار الواجب هو الإنذار بهذه الامور المتفقّه فيها ، فالحذر لا يجب إلّا عقيب الإنذار بها ، فإذا لم يعرف المنذر ـ بالفتح ـ أنّ الإنذار هل وقع بالامور الدينيّة الواقعيّة أو بغيرها خطأ أو تعمّدا من المنذر ـ بالكسر ـ لم يجب الحذر حينئذ ، فانحصر وجوب الحذر فيما إذا علم المنذر صدق المنذر في إنذاره بالأحكام الواقعيّة. فهو نظير قول القائل : أخبر فلانا بأوامري لعلّه يمتثلها.
____________________________________
لا تثبت إلّا بالعلم. فالمتحصّل هو أنّ الآية لا ترتبط بما نحن فيه.
والجواب عن هذا الإشكال يظهر ممّا ذكرنا فى تقريب الآية على حجّية خبر الواحد ، من أنّ تقابل الجمع بالجمع ظاهر في الاستغراق ، وتقسيم الأفراد على الأفراد ، فيفيد وجوب الحذر عقيب إنذار كلّ منذر مطلقا ، سواء كان مفيدا للعلم أم لا ، كما هو مقتضى إطلاق الآية ، فلا فرق بين هذا المطلق وسائر المطلقات فى جواز التمسّك بالإطلاق ما لم يوجد هناك مقيّد.
وأمّا استشهاد الإمام عليهالسلام بها على وجوب النّفر لمعرفة الإمام عليهالسلام فلا يضر بإطلاقها ، إذ مقتضى الاطلاق هو حجّية مطلق الخبر ، ولكن دل الدليل من الخارج على اعتبار العلم في العقائد واصول الدين ، وهو لا يمنع من التمسّك بإطلاقها على حجّية الخبر ، وإن لم يكن مفيدا للعلم فيما لم يثبت فيه اعتبار العلم من الخارج كالفروع مثلا.
(الثاني : إنّ التّفقّه الواجب ليس إلّا معرفة الامور الواقعية من الدين).
وملخّص تقريب هذا الوجه من الإشكال : أنّ المراد من التّفقّه إنّما هو التفقّه في الأحكام الواقعية التابعة للمصالح والمفاسد الواقعيين ، كما أنّه ليس المراد من الإنذار إلّا الإنذار في الامور الواقعية ، وبمقتضى جعل الحذر غاية لهما لا بدّ أن يكون المراد منه العمل بما تفقّه في الدين من الأحكام الواقعية.
فيجب على المنذر ـ بالفتح ـ أن يعلم بأنّ المنذر ـ بالكسر ـ قد أنذره بالأحكام الواقعية ، فيختص وجوب الحذر بما أحرز وعلم أنّه مطابق للواقع ، فلا ترتبط الآية بالمقام أصلا ، ولا يجوز التمسّك بها على حجّية الخبر غير المفيد للعلم بالواقع.
(فهو نظير قول القائل : أخبر فلانا بأوامري لعلّه يمتثلها) فلو عمل بإنذار المنذر ، ولم يعلم أنّه إنذار بالأحكام الواقعية ، لم يصدق على هذا العمل بأنّه عمل وامتثال للأحكام